مرت سنوات عديدة لم يكن فيها الطبيب البيطرى يظهر فى صورة المعتصمين أو المضربين كغيره من أبناء المهن الطبية وباقى المهن ممن اعترضوا على جفاء العيش وضيق الحال بعدما يأسوا من وصول صوتهم بالشكاوى العادية والتى كان يؤول مصيرها إلى النسيان، ولعل هذا هو الدافع وراء دعوات الإضراب، التى يدعو إليها العديد من الأطباء البيطريين، ويطالبون من زملائهم مساندتهم فى جميع هيئات ومراكز وكليات الطب البيطرى، لكى يمثلوا ورقة الضغط من أجل تحقيق مطالبهم.
منذ سنوات عديدة والطبيب البيطرى يعانى الأمرّين من أمرين؛ الأمر الأول يمثل نظرة العديد من الأشخاص إلى الطبيب البيطرى ممن لا يعلمون أهمية ودور الطبيب البيطرى فى المجتمع، وأنه هو الضمانة الحقيقية لمجتمع بلا أمراض أو أوبئة، والأمر الثانى هو حقوق هؤلاء الأطباء، التى يرى الكثيرون منهم أنها لا تزال مسلوبة منذ سنوات عديدة غاب فيها الأمل، وكاد الحلم البيطرى أن ييأس بعدما مرت الحكومات ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير واحدة تلو الأخرى دون فعل أى شىء أو أخذ أى خطوة لتحقيق تلك المطالب.. ثم جاءت ثورة يناير لتحيى الحلم من جديد، وبعد نجاح الثورة بادر البيطريون للمطالبة بتلك المطالب للمجلس العسكرى ووزارة الدكتور الجنزورى، وبالفعل تقدمت نقابة البيطريين بمشروع قانون للطب البيطرى وجاءت الوعود لتأكد أن المطالب سوف تدرس جدياً وتؤخذ فى عين الاعتبار، وقد كان من أهم تلك المطالب إنشاء وزارة مستقلة عن وزارة الزراعة يكون هدفها الأول هو خدمة أبناء المهنة وتحقيق أهدافهم المشروعة والسعى للنهضة بمستقبل الثروة الحيوانية فى مصر والعمل على تنظيم دور الدولة ومنشآتها بالنسبة لقطاع الإنتاج الحيوانى؛ لكن الأمر لم يتحقق وجاء أول تشكيل وزارى بعد نجاح الانتخابات الرئاسية دون وزارة للطب البيطرى، الأمر الذى جعل شباب البيطريين يتجهون إلى رفع راية العصيان والدعوة لإضراب تحت اسم "إضراب الكرامة" واختاروا له يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر ليكون يوماً للتعبير عن آمالهم فى ظل عهد جديد من حرية الرأى والتعبير تحت شعار العدالة الاجتماعية، التى قامت من أجلها ثورة يناير.
الحلم البيطرى، الذى ينشده البيطريون لا يقف عند حد الوزارة؛ إنما تبقى بقية المشاكل تحول دون تحقيقه، وتأتى مطالب الأطباء البيطريين لتنادى بمساواتهم بأبناء المهن الطبية وأن يكون لهم حق التكليف، فالطبيب البيطرى لا يقل علماً أو كفاءةً عن الطبيب البشرى وعن الصيدلى وغيرهم ممن لهم حق التكليف فهذا ليس فقط حق مشروع، ولكنه حق مظلوم لأن هناك أجيالا ضاع حقها فى التعيين وترتب على ذلك نتائج عديدة، فضلاً عن خيبة الأمل والشعور بعدم التقدير من قبل الدولة؛ لهذا يرى العديد من دعاة النهضة ضرورة إعادة التكليف بأثر رجعى فى محاولة لتصحيح أخطاء الماضى أو على الأقل تسهيل إتاحة فرص العمل لمن تخرج، ولم يلتحق بقطار العمل حتى الآن .
ثم تأتى مشكلة الأجور لتغيّم على الأجواء وتسطو على الجزء المضىء فى الصورة فتجعله معتماً؛ فمن استطاع أن يجد له فرصة عمل فى القطاع الحكومى سواء عن طريق المسابقات أو كان من أوائل الخريجين يشكو من ضعف الرواتب، التى يتقاضاها الأطباء البيطريون، ويرى أن له الحق فى أن يكون راتبه على قدر الجهد الذى يبذله.. وفى خضم هذه الأمور لا يتجاهل هؤلاء الأطباء أن للوطن حقوقًا كما أن عليه واجبات، ومن حقوق الوطن تسهيل إتاحة القروض الموجهة للطبيب البيطرى، والتى توجه بهدف النهوض بالثروة الحيوانية وإقامة المشاريع المدروسة، التى تحقق النمو السريع، ويشعر بها المواطنون وتفخر بها الدولة، كما فعلت العديد من دول العالم ممن لم يكن لهم خبرات واستعانوا بخبراء وبذلوا الجهد فأصبحوا اليوم فى اكتفاء من الثروة الحيوانية، بل وقاموا بالتصدير، وأصبحت مصدراً من مصادر الدخل القومى لهم.. هذا حال من لم تكن لهم خبرات؛ فما بالنا نحن ونحن نمتلك من الخبرات والأدوات ما يكفينا للنهوض بالوطن إذا ما توفر فقط الإصرار والعزم والإرادة التى تؤهلنا إلى استغلال طاقاتنا.. ولقد ساهم تفشى الأمراض التى حصدت الكثير من رصيد الثروة الحيوانية فى الفترة الأخيرة فى الإشارة إلى خطر عظيم وهو أن هناك العديد من المزارع البسيطة، التى تفتقد إلى الرعاية البيطرية وتكون أسيرة للأمراض والأوبئة؛ مما جعل من مطالب الأطباء البيطريين أن يكون هناك إشراف من مديريات الطب البيطرى على تلك المزارع بشرط ألا تنحصر على البعض دون الآخر، وأن يساهم كافة الأطباء البيطريين فى ذلك، مما قد يساعد أيضاً على تحسن أمورهم المعيشية، فضلاً عن الحماية والوقاية، التى ستنعم بها تلك المزارع وتنعكس على مستقبل الثروة الحيوانية؛ فالطبيب البيطرى دوره الأساسى هو دور إنتاجى ووقائى قبل أن يكون علاجيا.
الحلم البيطرى ما هو إلا حلم لغدٍ أفضل لمصر لأنه ما إن تقدم الطب البيطرى سوف تتقدم منظومة الرعاية الصحية؛ لذلك الدولة عليها عبء كبير تجاه تلك القضية الحيوية، والتى من أجلها تعالت الأصوات التى تطالب بالإضراب من أجل تحقيق مطالب أطلقوا عليها "مطالب الكرامة"، وفى ذلك السياق لابد ألا نتجاهل دور المجتمع متمثلاً فى التيارات السياسية والأحزاب التى لابد أن تشاطر المجتمع فى مشروع نهضته، وأن تتبنى مشروعا قوميا للنهوض بالطب البيطرى لأن هذا المجال نتائجه سريعة وملموسة للمجتمع بأكمله، فالتقدم لن يكون باستيراد اللحوم وإقامة شوادر لبيعها بأسعار مخفضة، ولكن يكون بالمساهمة الحقيقية فى مشاريع يشعر بنتائجها الغنى والفقير.
إن الآمال التى لطالما نادى بها المجتمع أصبحت الآن أمام حكومة الدكتور هشام قنديل، وتلك الآمال فى حقيقة الأمر هى آمال لوطن يعيد ترتيب أولوياته وأهدافه، ومن المؤكد أن مشروع النهضة يحمل الكثير من الطموحات لمصر وأبنائها ولمهنة الطب البيطرى وسائر المهن التى تحقق النهضة الحقيقية للوطن العزيز مصر كى نعبر جميعاً معاً الجسر ما بين اليأس والرجاء والتقدم والرخاء.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو عبد الرحمن
اخيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماء نصر
التكليف
عدد الردود 0
بواسطة:
saad
الله اكبر
اخيرا سيتحدث البيطريون
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عفيفى
الحمد لله
عدد الردود 0
بواسطة:
د/محمد نصر
كل الشكر والامتنان للسيد الاستاذ/محمود
عدد الردود 0
بواسطة:
mostafa
حرام
عدد الردود 0
بواسطة:
مانو
انتفاضة الكرامة
عدد الردود 0
بواسطة:
esraa
اخيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
alaa
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد زيدان
تحية واجبة