فى الذكرى الثالثة لعندليب الصحافة المصرية.. محمود عوض جندى الحرية الذى حاول كشف عِوار الأنظمة الفاسدة: "حريتى هى دمى.. هى عقلى.. هى خبز حياتى"

الأربعاء، 29 أغسطس 2012 05:14 م
فى الذكرى الثالثة لعندليب الصحافة المصرية.. محمود عوض جندى الحرية الذى حاول كشف عِوار الأنظمة الفاسدة: "حريتى هى دمى.. هى عقلى.. هى خبز حياتى" الكاتب الصحفى الكبير محمود عوض
كتبت سارة عبد المحسن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أى محكمة حينما تقرر إعدام مجرم، فإنها لا تقصد بذلك تصحيح الجريمة التى ارتكبها، وإنما تقصد أن تحذر الآخرين من سلوك طريقه"، هكذا لخص "عندليب الصحافة المصرية" الكاتب الكبير الراحل محمود عوض أفكاره التى آمن بها كصحفى حر سخر قلمه لكشف عِوار الأنظمة الفاسدة التى تعمدت تشويه المفكرين، وإعدام الحرية وتكبيل خطاها، فى كتابه "أفكار ضد الرصاص".

الكلمات السابقة مقدمة الكتاب الذى ضم بين ضفتيه، أفكار أبرز أربعة كتّاب هزت المجتمع بإعادة التفكير فى معتقدات المجتمع المصرى، وهم قاسم أمين وعبدالرحمن الكواكبى وعلى عبدالرازق وطه حسين، وكانت مقدمة الكتاب بمثابة الميثاق الذى أخذه على نفسه أمام قرائه.

تمر علينا اليوم الأربعاء، الذكرى الثالثة لرحيل محمود عوض، لتكون حضور كتاباته العظيمة مهمة فى هذه الأيام التى تتصاعد فيها مؤشرات كبت الحريات،وهو ما يظهر فى كلماته الخالدة المنيرة فى مقدمة "أفكار ضد الرصاص" أيضا: "إننى أستطيع أن أعطيك قلبى فأصبح عاشقا.. أعطيك طعامى فأصبح جائعا.. أعطيك ثروتى فأصبح فقيرا.. أعطيك عمرى فأصبح ذكرى، ولكننى لا أستطيع أن أعطيك حريتى، إن حريتى هى دمى، هى عقلى، هى خبز حياتى، إننى لو أعطيتك إياها فإننى أصبح شيئا له ماض.. ولكن ليس أمامه مستقبل".

خاض عوض معارك من أجل الحرية ومن أجل الكلمة، والتى وصفها بمعركة المصير، حيث لم يطمح فى أى شىء سوى الكتابة والصحافة فقط، والتى دفعته لرئاسة تحرير جريدة "الأحرار" فى تجربة رائدة وملهمة للصحافة المستقلة، بعد إبعاده عن عشيقته الأولى "أخبار اليوم".. الكتابة فقط كانت رسالة محمود عوض حتى النهاية بمقالاته الرائدة التى حفلت بها جريدة "اليوم السابع" وكانت ملهمة للأجيال الجديدة التى قامت بالثورة.

أكد محمود عوض لشقيقه "طه" حينما كان يكتب كتابه الشهير "اليوم السابع"، وهو آخر أعماله، أنه يخاف أن ينفذ الله فيه أمره قبل أن يكمله، وكان هذا الكتاب خير شاهد على أصل النكسة وما سبقها من استفزازات إسرائيلية ضد الأردن وسوريا إلى حد تصريح إسحق رابين، رئيس أركان حرب القوات الإسرائيلية، فى 12 مايو 1967 بالقول: "سنشن هجوماً خاطفاً على سوريا ونحتل دمشق لنسقط نظام الحكم فيها ثم نعود". كانت الأنظمة الدعائية العربية تقود المنطقة، وفى مقدمتها مصر، لحافة الهاوية مرددة أن إسرائيل لم تكن لتستأسد لو لم تكن مصر غير قادرة على ردها.

فضل محمود عوض الالتحاق بالصحافة بعد تخرجه فى كلية الحقوق، وواجه أول اختبار عملى له، عندما رفض العمل بالنيابة العامة، فما لبث أن أمضى ٨ أعوام من تخرجه عام ٦٤ حتى أصبح نائبا لرئيس تحرير الأخبار، وهو لم يكمل عامه الثلاثين بعد.

اختار له إحسان عبد القدوس لقب عندليب الصحافة المصرية مراهنا عليه بأن يكون واحداً من أبرز كتاب الستينيات، وظهر ذلك عندما تأخر أنيس منصور عن إرسال مقاله اليومى، الذى ينشر فى الصفحة الأخيرة من "أخبار اليوم"، وقرر عبد القدوس، وهو رئيس تحرير المؤسسة العريقة آنذاك، تكليف هذا الصحفى الشاب بكتابة الصفحة الأخيرة وحده، كان عقابا لمنصور، الذى تسبب تأخره المتكرر فى عدم إرسال الجريدة للمطبعة فى الوقت المحدد، وثقة من إحسان فى الشاب الواعد، فكتب مقالا رائعا عن أم كلثوم أثار حفيظة وغيظ الكثيرين من أقرانه، فصار أنيس منصور يرسل مقاله قبل موعده بـ٣ أيام، وأوكل إليه إحسان كتابة صفحة أسبوعية فى "أخبار اليوم" بعنوان "شخصيات"، يحاور فيها رموز الفكر والثقافة والسياسة والدين والفن فى مصر، بطريقته الخاصة وبشكل لم يعهدوه من قبل.

وعن هذه التجربة يحكى كاتبنا فى كتابه "شخصيات"، أنه خلال مشواره الفنى اقترب من نجوم الفن والسينما بشكل أثار حوله الكثير من التساؤلات، حتى إن هؤلاء النجوم كانوا يتكالبون عليه ليكتب عنهم، وعندما طلبت أم كلثوم من مصطفى أمين أن يؤلف كتابا عنها، اعتذر ورشح لها عوض الذى لم تتفاءل كوكب الشرق بالعمل معه فى البداية، وما إن قرأت كتابه "أم كلثوم التى لا يعرفها أحد" حتى أبدت إعجابا لافتا بهذا الشاب الواعد، الذى استطاع الغوص داخل تفاصيلها، وكتب كتابا آخر بنفس العنوان عن الموسيقار عبد الوهاب.

ورغم هذه الحياة الحافلة، رفض عوض الانضمام إلى أى تيار أو حزب سياسى، لعل آخر هذه المحاولات دعوة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء الأسبق، إياه للانضمام للجبهة الوطنية، ورد على إلحاح صدقى قائلا: "أنتم ناس تودون حكم مصر.. أما أنا فلا أود حتى أن أحكم شارعنا".


موضوعات متعلقة:

رحيل محمود عوض فى عيون زملائه وتلاميذه.. مكرم محمد أحمد: فقدنا كاتباً كبيراً.. صلاح عيسى: صانع صحف مبتكر.. لويس جريس: صاحب إدراك لرسالة المهنة.. سليمان جودة: رمز لكل الصحفيين





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة