لم يخف مسئولون إيرانيون سرا بشأن طموحاتهم الكبيرة لحشد دول عدم الانحياز خلال هذا الأسبوع مع وجود قائمة ضيوف تضم قادة مثل الرئيس المصرى والأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون.
تسعى طهران لفرض نفسها على مجموعة من القضايا المعروضة على الاجتماعات التى تختتم يوم الجمعة القادم وهى: الحرب الأهلية فى سوريا والالتفاف على العقوبات الغربية وتعزيز لهجتها النووية والسعى إلى تخفيف الاحتكاك طويل الأمد فى الشرق الأوسط مع منافسين فى القاهرة والخليج، ورغم ذلك فمن المرجح أن تواجه انتكاسة كبيرة.
ورغم نظرة زعماء البلاد إلى الحشد المؤلف من مائة وعشرين دولة من حركة عدم الانحياز كخطوة كبيرة نحو تأكيد سلامة إيران كقوة صاعدة، فإنه قد يسلط الضوء على قيودها والتزاماتها فى المنطقة وما بعدها.
قال برونو تيرتريس وهو محلل فى الشئون الإيرانية لدى مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية فى باريس إن "إيران ترى نفسها كحجر زاوية للدول التى تحاول التحرر مما تصفه بالهيمنة الغربية".
وقال إن "ذلك جيد بالنسبة للسياسات المحلية، لكن إيران تواجه بعض الحقائق الحادة خارج حدودها".
ومن بين تلك الحقائق هذه الأيام، العلاقة الوثيقة لطهران مع نظام بشار الأسد فى سوريا برغم التخلى عنها من جانب كل دول منطقة الشرق الأوسط الأخرى تقريبا والغرب.
ويمكن أن يطغى الدعم الثابت لطهران للأسد فى نهاية المطاف على الزيارة التاريخية للرئيس المصرى محمد مرسى للبلاد فى وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وسيكون مرسى أول زعيم مصرى يزور طهران منذ الثورة الإسلامية فى عام 1979 عندما قطعت إيران علاقاتها بالقاهرة بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل. وبلغ ازدراء إيران من القيادة المصرية آنذاك قدرا عظيما بأن أطلقت على إحدى شوارعها اسم زعيم فريق اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات فى عام 1981.
وزيارة مرسى التى ستستغرق أربع ساعات بعد غد الخميس فى طريقه عائدا من الصين هى جزء من مساعى الرئيس الجديد لإعادة تحديد علاقات بلاده الدولية بعيدا من عهد الزعيم المخلوع حسنى مبارك الذى كان حليفا مقربا لواشنطن.
قال ياسر على المتحدث باسم مرسى للصحفيين هذا الأسبوع، إن الرئيس يسعى إلى إقامة سياسة خارجية "أكثر نشاطا" اعتمادا على علاقات أكثر توازنا، وأضاف "نحن لسنا فى منافسة مع أحد، ليس لدينا منافسات، ونعتمد على علاقتنا بناء على مصالحنا الوطنية".
ويبدو أن مصر تندفع نحو الأسلحة الإيرانية، غير أن "على" أكد أن زيارة مرسى هى فقط لقمة حركة عدم الانحياز، ولن يعقد أى محادثات ثنائية مع الإيرانيين، وقد يكون ذلك جزءا من محاولة تطمين المملكة العربية السعودية المنافس الكبير لإيران فى الخليج، والسعودية كانت منذ فترة طويلة تعارض جماعة الإخوان المسلمين التى ينتسب إليها مرسى وترتاب من صعوده إلى السلطة، لكن مرسى يسعى أيضا إلى تقديم مبادرة سلام جديدة لتصاعد الحرب الأهلية فى سوريا.
وفى وقت سابق من هذا الشهر، أدرج إيران فى اقتراحه بتشكيل مجموعة اتصال من أربعة دول منها مصر وتركيا والسعودية، غير أن محادثاته المرتقبة فى طهران بشأن سوريا لاقت بالفعل رفضا من جانب الثوار السوريين ووصفوها بأنها غير مجدية بسبب إشراك إيران.
قال عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطنى السورى للثوار، إن إيران "جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل، ولا يمكن أن تكون نزيهة فى أى مبادرة"، كما أسر الثوار ثمانية وأربعين إيرانيا فى وقت سابق من هذا الشهر بالقرب من دمشق.
ويرى حميد رضا شوكوحى، محرر صحيفة ماردومسالارى، أنه بينما مصر وإيران يمكن أن يقوما ببعض التقدم نحو روابط أفضل، فإن قضايا مثل سوريا تظهر انقسامات كبيرة. وقال إن "السياسات الرئيسية لإيران لن تتغير فى الأجل القصير".
ومع ذلك، تبذل طهران كل جهد ممكن لإظهار الحشد بأنه لحظة محورية فى تطلعاتها العالمية. لكن النظرة تلك لا أساس لها من الصحة إذ أن التكتل يحل فى المرتبة الثانية فقط بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة ويضم القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الهند بينما عملاقة مثل الصين والبرازيل تحتفظ بمركز مراقب فى الحركة.
ورغم ذلك، تسعى إيران التى تولت الرئاسة الدورية للحركة يوم الثلاثاء إلى إعادة اختراع ما يراه البعض بأنه مخلفات الحرب الباردة كمنتدى بعيد عن متناول الغرب.
افتتح وزير خارجيتها الاجتماعات الأحد مع الدعوة إلى تخفيف سلطة مجلس الأمن الدولى. توقع آخرون أن تشمل نقاط المحادثات اقتراحات لإحلال العملات المحلية محل الدولار واليورو فى المعاملات بين الدول الأعضاء.
كما تفتخر إيران بقرار الأمين العام للأمم المتحدة بإلقاء كلمة فى القمة فى وقت لاحق من هذا الأسبوع، لكن هذا الفخر يمكن أن يتحول إلى إحراج إذا ما استخدم بان كى مون ظهوره كمناسبة لانتقاد طهران بشأن حملاتها على المعارضين السياسيين بما فيها الإقامة الجبرية للزعيم المعارض مير حسين موسوى ومهدى كروبى أو السعى لمزيد من الوصول إلى مواقعها النووية لمفتشى الأمم المتحدة.
وبالفعل قال متحدث باسم الأمم المتحدة الثلاثاء فى نيويورك، إن بان كى مون سيثير قضايا حقوق الإنسان والمخاوف بشأن البرنامج النووى على هامش مؤتمر حركة عدم الانحياز، وقال فرحان حق للصحفيين إن "من الواضح أنه عندما يذهب إلى هناك سيؤكد من جديد على مخاوفه من أن وضع حقوق الإنسان عموما فى إيران لا يزال خطيرا".
ويتخوف الغرب من إمكانية أن ينتج برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم فى نهاية المطاف أسلحة نووية. وتصر إيران بأنها تسعى فقط لإنشاء مفاعلات لاستخدامها لتوليد الطاقة والتطبيقات الطبية. وكجزء من الاجتماعات الحالية، تقترح إيران إجراء جولة لمواقع نووية للدبلوماسيين فى جهد واضح للفوز بدعمهم.
كما تضع إيران جيلها الأول من أجهزة الطرد المركزى للتخصيب على شاشة عرض إلى جانب قمر صناعى تم إنتاجه محليا وأجهزة تكنولوجيا النانو مع وعد بتقاسم الخبرة مع نظرائها من دول حركة عدم الانحياز.
قال دبلوماسيون الأسبوع الماضى، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة شكلت فريقا خاصا من خبراء الأسلحة وآخرين للتركيز بشكل خاص على البلاد.
كما تضغط الوكالة من أجل إجراء عمليات تفتيش أوسع على قاعدة بارشين العسكرية الكائنة فى جنوب غرب طهران للتحقق من الشكوك من أن اختبارات تفجير جرت هناك ويمكن أن تكون على صلة بعمليات إنتاج أسلحة نووية.
وفى رسالة مفتوحة إلى بان كى مون من رضا بهلوى نجل شاه إيران الراحل الذى خلعته الثورة الإسلامية، حث الأمين العام للأمم المتحدة بلفت الانتباه إلى "الظروف الرهيبة لآلاف المعتقلين سياسيا القابعين" فى السجون الإيرانية.
وقال فى رسالته إنه "سيتم تركهم مع أمل ضئيل للغاية إذا ما تم منح النظام موافقة من المجتمع الدولى ولم تجر محاسبة من جانب كيان دولى مهم مثل الأمم المتحدة"، إلا أن الحشد يقدم لإيران بعض النجاح الواضح إذ أن الجهود لتعزيز العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر مع باكستان والهند وهما سوقان رئيسيتان للنفط والغاز الإيرانيين تسير بشكل سلس مع توقعات بوصول رئيس الوزراء الهندى مانموهان سينج أمس الثلاثاء فى أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء هندى منذ أكثر من عشر سنوات.
والهند هى ثانى أكبر مستهلك للنفط الإيرانى بعد الصين وهى مهمة لجهود طهران فى تعويض الضربة الاقتصادية التى تلقتها جراء العقوبات التى أغلقت أمامها الأسواق الأوروبية المستهلكة للنفط. وتعتمد الإستراتيجية الأساسية لإيران حاليا على الإبقاء على تدفق النفط إلى آسيا برغم جهود الولايات المتحدة لعرقلة هذه التجارة.
قال صادق زيبكلام أستاذ الشئون السياسية بجامعة طهران، إنه بينما قد تساعد حركة عدم الانحياز إيران فى حالات معينة مثل الهند فإن الهدف من تشكيل تكتل موحد يقف أمام الغرب سيكون أمرا بعيد المنال.
وأضاف أن المؤتمر "يمنح الجهاز الدبلوماسى الإيرانى فرصة تعزيز العلاقات، إلا أن جهود إحياء الحركة هى جهود عديمة الجدوى، ففى ظل وجود أكثر من مائة دولة، فإن الكثير من الدول الأعضاء لها وجهات نظر مختلفة جدا".
أجندة إيران تواجه "حقائق" خلال تجمع دول عدم الانحياز.. طهران تسعى لفرض نفسها على قضايا العالم فى وجود منافسيها بالخليج وحضور ثورة مصر.. وحشدها لـ120 دولة بالقمة يؤكد نجاحها برغم دعمها نظام الأسد
الأربعاء، 29 أغسطس 2012 10:42 ص