أوراق الخارجية المصرية.. أبو الغيط يكتب: مصر بين المكانة والدور

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012 07:58 ص
أوراق الخارجية المصرية.. أبو الغيط يكتب: مصر بين المكانة والدور أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الأسبق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعود فى مقال اليوم إلى تناول هذه المقولات التى تذكر أنه «وحين وقعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل فى عام 79، فإن ذلك كان إشهارا لانكسارها وبداية لانكفائها»، أو مثلما يقول البعض إن اتفاقية السلام أخرجت مصر والعرب من المعادلة الدولية وأخضعتهم لوصاية الدول الكبرى، مع تحميل اتفاقية مصر مع إسرائيل ما جرى من ضرب المفاعل العراقى فى عام 1981، واجتياح لبنان عام 82، ثم احتلال الكويت عام 91، ثم غزو العراق، وأخيرا انفصال جنوب السودان، والاستفراد باليمن.. وذهبت هذه الآراء؛ بل وأقول هذه «المدرسة الفكرية» التى تقوم على مفكرين مصريين وعرب، إلى القول بأن مصر «دفعت ثمنا باهظا جراء انكفائها، ودفع العرب ثمنا غاليا جراء غيابها، ومصر الكبيرة تم تكبيلها وتقزيمها وترويضها وحبسها فى قفص الاعتدال.. من هنا، ومع بزوغ «25 يناير (كانون الثاني)»2011، فإنه يجب على مصر أن تعاود النظر فى سياستها وتنطلق وبسرعة إلى تحمل مسؤولياتها».

وفكرت مليا، مرة أخرى، فى هذه الآراء، وتساءلت بكل اهتمام وجدية: هل كان يجب على مصر أن تستمر فى مساعيها لتحرير أراضيها من خلال الصدام المسلح فقط، حتى وإن اقتضى الأمر استمرارها فى الحرب والصدام لعقود أخرى ممتدة؟ وهل كان هناك ضمان بأنها ستحقق أملها فى تخليص الأرض بالحرب فى نهاية المطاف؟ هل كانت لها طاقة على ذلك بكل ظروفها الضاغطة التى تطرقت إليها سابقا؟ هل كان هناك ضمان أن لا تتعرض مصر لهزيمة أخرى جديدة، خاصة أن علاقات وتوازن القوى المسلح بينها وبين العالم الغربي، وإسرائيل ربيبته، لا يمكن مقارنته اليوم بما كان عليه الوضع عندما نجحت مصر فى ضرب الغزو الصليبى أو المغولى فى هجمته المنسقة على أرض الإسلام؟ وقدرت من جانبى، أن كل هذه الأسئلة لها مشروعيتها، وأن الإجابة الصادقة والأمينة عنها يمكن أن تحسم رؤيتنا للماضى وخلاصاته.. وإن كانت أيضا تفتح الأبواب للمزيد من التفكير لتدبر المستقبل، وهو ما آمل الكتابة فيه فى مقال آخر مقبل.

* أعود اليوم إلى استرجاع رؤية الرئيس السادات، وهو يتفاوض فى كامب ديفيد لاستعادة سيناء، بقوله لأحد أعضاء الوفد المصرى ممن كانوا يتحسبون من نقطة هامشية هنا وأخرى فرعية هناك بشأن مشروع الاتفاقات الإطارية لكامب ديفيد: أنتم لا تفهمون شيئا.. أنتم تتحدثون وكأنكم ترغبون فى أن تولد أجيال جديدة من المصريين ولعشرات السنين لكى يجدوا أراضيهم محتلة، وأن يناضلوا من أجل تحريرها. وأخذت من جانبى وعلى مدى سنوات أسترجع هذا القول، وأن السادات كان يتحدث بهذه الآراء والأفكار بعدما خبر الحرب وأخطارها وعواقبها، ولم يكن السادات بعيدا عن تفكيرى فى السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات، عندما تحللت الكتلة الاشتراكية، ثم سقط الاتحاد السوفياتى بانفجاره وتحلله فى بداية يناير 1992، وأخذت أتساءل، ولكن بكثير من الارتياح: ما الحال إذا كانت أراضى مصر فى سيناء ما زالت محتلة فى عام 92 واستمرار مصر فى حشد الموارد والقوة المسلحة اعتمادا على المصدر المتاح الوحيد للسلاح المتطور، وقد انزوى؟ وتوصلت إلى نتيجة تعبر عن الرضا.

وينبغى أن أعترف هنا أن مصر عانت كثيرا، فى علاقاتها العربية أو الإسلامية فور توقيعها إطارات كامب ديفيد فى عام 1978 ومعاهدة السلام فى عام 1979، وبذلت الكثير من الجهد الذى استغرق طاقتها الدبلوماسية، مثلما أوضحت، خلال عقد الثمانينات، لاستعادة أوضاعها وعلاقتها مع الكثير من دول المجموعتين؛ الإسلامية والعربية، كما تعرضت لمحاولات تطويق وإضعاف من قبل الاتحاد السوفياتى وشركائه فى حركة عدم الانحياز. أخذت أيضا أتدبر مغزى معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية ومفهوم كامب ديفيد، وتوصلت إلى بعض النتائج المحددة التى أعتقد أنها كانت ظاهرة أمام كل من يرى؛ وهى:

أولا: أن مصر الملكية أو الناصرية أقامت دورها وتأثيرها فور انتهاء الحرب العالمية الثانية على عنصرين أساسيين؛ أحدهما يتعلق بالقدرة الثقافية والسكانية المصرية فى تجميع الأمة العربية والإسلامية حول رسائل وتوجهات محددة؛ العروبة والجامعة العربية، والفكرة الإسلامية فى مواجهة الغزو الاستعمارى الغربي. والآخر بحشد الموارد العسكرية والفكرية والدبلوماسية للتصدى لإسرائيل فى استلابها أراضى شعب فلسطين العربي، وجاءت حروب مصر عامى 48 و49 ثم 56 وأخيرا 67 تعبيرا عن هذه المسؤولية المصرية فى التصدى لمصالح الإقليم فى دفاعه عن نفسه ضد الهيمنة الغربية وغيرها.

ثانيا: أن استخدام القدرات المصرية و/ أو العربية فى شموليتها فى هذه المواجهة الممتدة عسكريا طوال ما يقرب من ربع قرن من الصدام المسلح، لم تصل بمصر إلى تحقيق أهدافها، بل وضح أن مصر ليست فقط مهددة بالسقوط فى براثن الاحتلال الإسرائيلى لأراضيها، ولسنوات، مثلما نشهد اليوم بالنسبة للجولان السورى المحتل منذ يونيو (حزيران) 67، ولكن أيضا بالسقوط فريسة لمشكلاتها الداخلية المتصاعدة على مدى عقود فى وجه زيادة سكانية كبيرة. وكان يجب السعى للإنقاذ، حتى ولو على حساب ما يتصوره البعض من دور وتأثير، وإن كنت من جانبى أختلف مع هذا التوصيف مثلما سأوضح تاليا.

ثالثا: أن استعادة الأرض المصرية فى مقابل توقف مصر عن حشد إمكاناتها الذاتية والعربية ضد إسرائيل، لا يعنى إطلاقا أو بحال من الأحوال أنها لن تمضى فى مساعدة الفلسطينيين على استخلاص حقوقهم، كما أنه لا يعنى أن مصر باعت المصالح الفلسطينية أو أنها تنازلت عن أراضى أو حقوق للشعب الفلسطينى أو العربي، بل على العكس؛ فقد أكدت دائما أن تجربتها مع إسرائيل يمكن أن تتخذ منهجا للحصول على بقية حقوق الدول العربية والفلسطينيين فى أراضيهم.

رابعا: أن التزام مصر بعدم اللجوء للحرب مع إسرائيل ما دامت لم تتعرض المصالح المصرية للتهديد أو الخطر المباشر بعدوان عليها، لا يعنى إطلاقا أن مصر مقيدة فى حسابات سياستها الخارجية، سواء على مستوى الإقليم أو فى الإطار الدولي، ولا يوجد دليل واحد على أن معاهدة السلام قد قيدت حرية حركة مصر إقليميا أو دوليا، إلا فى مسألة الالتزام بعدم استخدام القوة أو التهديد بها فى العلاقة مع إسرائيل ما دامت المصالح المصرية الاستراتيجية والحيوية لم تتعرض لخطر مباشر.

لقد قال كثيرون إن اتفاق كامب ديفيد أدى إلى إضعاف العرب وتدمير مصالحهم ومجتمعاتهم.. وأقول من جانبى إن رؤيتى تتمثل فى أن كامب ديفيد كانت ضرورة فرضها الضعف العربى والانقسامات العربية على مدى عقود.

خامسا: أن كثيرا من المحللين السياسيين؛ المصريين أساسا، لم يرصدوا جيدا التغيرات الجوهرية التى سادت العالم العربى ودوله مع بزوغ السبعينات وحتى اليوم، وربما لعقود مقبلة، وهى أن مصادر الثروة والقدرة العربية لم تعد قاصرة على مصر، رغم كل تأثيرها السياسى والثقافى والعسكرى على مستوى الإقليم، بل إن هناك، فى دول عربية صغيرة، ثروات وإمكانيات أصبحت الإمكانات المصرية تتضاءل أمامها على المستوى العربي، ولا أعتقد أن كامب ديفيد تُسأل عن ذلك، إلا أن المؤكد أنه إذا ما كان على مصر أن تسعى لكى تحدث تأثيرها، مثلما ترغب، فإن الأمر يبقى فى يدها، إلا أن المؤكد أيضا، فى هذا المجال، أن هناك تكلفة لكل ذلك، وسوف يواجه صاحب القرار المصرى فى هذا الصدد بضرورة النظر فى الخيارات، والأولويات، وما تحتاجه مصر داخليا، قبل أن تبحث عن تأثيرها الخارجي. وهنا أود أن أكتب قليلا عن الدور المصري، فى ظلال كامب ديفيد مثلما يحلو للبعض تسميته.. وأذكر هنا أنه وبعد انتهاء تجميد عضوية مصر فى الإطار العربى و/ أو الإسلامي، فقد انطلقت مصر تعمل بحرية خلال عقد التسعينات للدفاع عن مصالحها ومصالح الإقليم مثلما تراه وتقدره، ولكن بصفتها «دولة طبيعية من وجهة النظر الدولية» تلتزم بالقانون الدولى وتعمل فى إطار الشرعية وحسن الجوار، وتطبق مبادئ العلاقات الدولية دون تهديد أو تدخل ضد أحد من الجيران أو فى الإطار الدولي، وفى هذا السياق، ينبغى رصد الآتي:

أولا: أن مصر كانت القوة المحركة والدافعة لنجاح الجامعة العربية فى 2 أغسطس (آب) عام 90 فى استصدار قرارها، على المستوى الوزاري، بإدانة الغزو العراقى للكويت والمطالبة بإنهاء هذا الغزو من قبل دولة عربية ضد شقيقة لها، كما أن القمة العربية وقد انعقدت بدعوة مصرية يوم 10 أغسطس فتحت الطريق أمام تنامى إقامة ائتلاف دولى عريض لرد العدوان العراقى على الكويت، كما شاركت مصر بقوة عسكرية كبيرة ومؤثرة فى عملية تحرير الكويت وبعد الحصول على قرار من الأمم المتحدة بذلك.. وأزعم هنا أنه ولولا المواقف المصرية الحاسمة فى معارضة الغزو لما نجحت القوى الدولية الأكثر تأثيرا، والولايات المتحدة أساسا، فى القيام بالعملية العسكرية التى انتهت بإنهاء الاحتلال وعودة الكويت دولة لها سيادة على أرضها وثروتها. وقد يقول البعض إن مصر ساهمت فى تحطيم العراق، وأقول ردا على ذلك، إن القيادة العراقية هى التى تسأل عن تحطيم هذا البلد العربى العريق وما ترتب على ذلك من آثار خطيرة فى إضعاف القدرات العربية فى كل المجالات. لقد وقفت مصر بجوار العراق فى صدامه مع إيران رغم أننا لم نكن نشجع هذه الحرب بين أطراف ودول إسلامية، إلا أن التقدير المصري، كان عندئذ، فى بداية الثمانينات أن هناك تهديدا حالا بالمصالح العربية إذا ما سقط العراق، باعتباره الجناح الشرقى للأمة العربية، تحت ضربات إيران. وقد يكون من المناسب فى هذا المجال أن أتطرق إلى ذكر حديث دار بين وزيرى خارجية مصر والعراق، كمال حسن على وطارق عزيز فى عام 84، أثناء زيارة الأول لبغداد لتقديم مساعدات عسكرية للعراقيين، حيث قال الوزير العراقي، فى معرض انتقاده لمحدودية المساعدات الخليجية للعراق أثناء الحرب، إن بلاده لم تحصل حتى الآن إلا على 60 مليار دولار فقط من الخليج، ودهش الوفد المصري، وكنت من بين أعضائه، وعقب كمال حسن على بقوله، وبصراحة موجعة، إن مصر لم تحصل من الأمة العربية على عشر هذا المبلغ أو حتى نصف العشر، وإنها لو حظيت بهذا الدعم أثناء صدامها مع إسرائيل، لاختلفت نتائج النزاع تماما.

ثانيا: أن مصر شاركت بفاعلية وتأثير فى صياغة إعلان دمشق الصادر فى 6 مارس (آذار) عام 1991 بعد تحرير الكويت، وهو الإعلان الذى شاركت فيه دول مجلس التعاون الخليجى الست وكل من مصر وسوريا. وكانت الفلسفة الأساسية للإعلان هو تعبير هذه الأطراف الخليجية وكل من القاهرة ودمشق عن تمسكها بالعمل العربى المشترك لتأمين التعاون فيما بينها فى كل المجالات وبما يؤمن المصالح العربية على مستوى الخليج ومع الدولتين الأخريين، وللأسف، فقد انزوى تأثير هذا الإعلان بعد فترة قصيرة من تحقيق هدف هزيمة العدوان العراقى على الكويت، وقد قاومت سوريا فكرة إنهاء الإعلان ورأت القاهرة أنه لا «إجبار فى التعاون للدفاع عن الإقليم» خاصة وقد فضلت مجموعة من هذه الدول تعميق تعاونها العسكرى والاستراتيجى مع قوى غربية، مثل قطر التى اتجهت لاستضافة وتوسيع الوجود الأميركى بأراضيها، والإمارات التى عقدت اتفاقات مهمة للتعاون مع فرنسا وأميركا وبريطانيا، والبحرين التى هى مقر قيادة الأسطول الخامس الأميركى فى الخليج والمحيط الهندي، والكويت التى استضافت القوات الأميركية التى حررتها، وغير ذلك من وجود استراتيجى غربى فى عمان.

عملت مصر فى السنوات التالية لتجميد إعلان دمشق على توطيد فاعلية المحور الثلاثى المصرى – السعودى – السوري، حيث أصبحت لقاءات وزراء الخارجية وقادة الدول تعتبر مثالا يحتذى للتعاون والتدارس للمواقف وأيضا قاطرة إرشادية للعمل العربى المشترك.

ثالثا: أن مصر لم تتخل فى أى لحظة، منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، عن تأييد الفلسطينيين ومساعدتهم فى مواقفهم التفاوضية مع إسرائيل.. فبعودة العلاقات العربية - المصرية إلى مسارها بشكل طبيعى فى عام 89، أخذت الدبلوماسية المصرية تتحرك لتمكين الفلسطينيين من التفاوض على أسس تتجاوز ما حققته مصر لهم فى كامب ديفيد، وهناك الكثير مما بذلته مصر فى هذا الصدد الذى يتضمنه كتابى «شاهد على الحرب والسلام»، سواء بالنسبة لشكل التمثيل الفلسطينى فى مؤتمر مدريد للسلام فى أكتوبر (تشرين الأول) 1991، أو ما تلا اتفاق أوسلو من مفاوضات تؤشر إلى بدء بزوغ الدولة الفلسطينية.

إن تاريخ القضية الفلسطينية، ومثلما يقال كثيرا، هو «تاريخ الفرص الضائعة»، ولا أعتقد أن من العدل أن يقول البعض إن مصر قد فشلت فى تحقيق الانفراج فى التسوية الفلسطينية، وبذا، فإن دورها وفاعليتها قد تقلصت وانزوت. والمؤكد، وبكل الصدق وشجاعة القول اليوم، أن التسوية الفلسطينية واستعادة الفلسطينيين لحقوقهم وإن كانت ستتحقق حتما فى مستقبل الأيام، إلا أنه يجب الاعتراف بأن مصر وحدها لا يمكنها بحال من الأحوال فرض التسوية التى ترتئيها على إسرائيل، وأن المسألة أكثر تعقيدا وعمقا.

رابعا: قادت مصر الدول العربية فى معركة مستمرة وعنيفة منذ منتصف التسعينات فى القرن الماضي، لإلقاء الضوء على خطورة الملف النووى الإسرائيلى وتهديده الأمن العالمي، وأعتقد أن الجميع اليوم، سواء القوى الغربية أو الدول الإقليمية، لا يمكنها أن تنكر حيوية وفاعلية الدور المصرى فى هذا الشأن والنجاحات المحققة التى كشفت فعلا للجميع سياسة الغرب فى المعايير المزدوجة بالنسبة لهذا الملف وتهديدات إسرائيل بسياساتها للمنطقة بكاملها.

خامسا: تصدت مصر بسرعة وفاعلية لأخطار انفجار الوضع التركى - السورى فى عام 98 عندما قامت تركيا بتهديد سوريا بأنها سوف تتدخل عسكريا فى الأراضى السورية إذا ما استمر الدعم السورى للتمرد الكردى الذى يقوده حزب العمال الكردى بقيادة مصطفى أوجلان، وتحرك الرئيس السابق مبارك فى زيارات مكوكية بين دمشق وأنقرة لإجهاض خطر المواجهة المسلحة، وتم إنقاذ الإقليم من مواجهة عسكرية خطرة وصدام مسلح بين من لا ينبغى أن يتحاربا فيما بينهما.. أتذكر أن الموقف كان يتدهور بشكل سريع، وأرسلت فى السابعة صباحا إلى وزير الخارجية عمرو موسى تقريرا مزعجا عن التحضيرات التركية والنوايا فى التحرك ضد سوريا، واتصل بى عمرو موسى من منزله فور تلقيه التقرير، وكنت أعمل مساعدا له لشؤون مكتب وزير الخارجية، مبديا القلق من احتمالات تدهور الموقف، ويقول: ما رأيك أن أقترح على الرئيس مبارك أن تتدخل مصر، أو هو شخصيا بالوساطة بين تركيا وسوريا لمنع الصدام بينهما، وهو صدام خطير لا تستفيد منه سوى إسرائيل؟ ووافقته فورا على هذه المبادرة، ثم اتصل بى مرة أخرى بعد دقائق ليقول إن الرئيس وافق إنه يرغب - أى الرئيس – فى السفر صباح اليوم إلى دمشق لبحث الأمر وإن علينا الترتيب فورا، وتحركت الدبلوماسية المصرية، وتمت زيارة دمشق ثم أنقرة، والعودة إلى دمشق، واتفق على آلية للتسوية، وحققت مصر فاعليتها.

سادسا: أن مصر، ورغم أى مزاعم أو ادعاءات، نجحت وتحت ظروف بالغة الصعوبة - لا يجب التطرق إليها الآن - فى الحفاظ على استقرار وإعاشة الشعب الفلسطينى فى غزة، ولعل مئات الأنفاق المُتاحة بين مصر وغزة هى خير دليل على ذلك، وهنا ينبغى أن لا يصدق أحد أن وجود الأنفاق ونقاطها كان من الأمور الخافية على الدولة المصرية.

سابعا: أن مصر نجحت فى الدفاع عن مصالحها، ومصالح العرب، عندما أجهضت، ولو إلى حين، عملية توسيع مجلس الأمن فى عامى 2005 - 2006 عندما تبينت أن بعض توجهات القوى الطامحة الكبيرة لا تأخذ فى الحسبان هذه المصالح المصرية والعربية، وهو نجاح يجب أن يسجل للدبلوماسية المصرية المدعومة عربيا.

ثامنا: لقد كان هناك على مدى العقدين الأخيرين من حكم الرئيس السابق مبارك الكثير من المواقف والمبادرات المصرية فى مجال السياسة الخارجية، بما يكشف عن فاعلية وإثراء للعمل العربى المشترك، ومع ذلك، يجب أن أعترف وحتى توضع الأمور فى نصابها، بأنه ورغم فاعلية التأثير المصرى على مستوى الأمم المتحدة وكل قضاياها المطروحة هناك، أو المستوى الإقليمى سواء بالجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، وكذلك فى علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبى بالنسبة لاتفاقية المشاركة الأوروبية، أو العلاقات الوطيدة مع دوله فرادى، أو من خلال التعاون فى إطار برشلونة.. وأيضا فى ما يتعلق بالتطور الكبير الذى شهدته العلاقة المصرية - الروسية، والأخرى مع الصين، فإننى كنت من جانبى أستشعر أن هناك قلقا عميقا من الأعباء التى قد تفرضها تحركات مصرية خارجية نشطة على ميزانية الدولة المصرية وأعبائها الاقتصادية التى تتعرض للضغوط السكانية والاحتياجات الأخرى المشروعة للشعب المصري، من هنا، كانت مصر تتبنى الحذر فى الظهور البحرى فى جنوب البحر الأحمر أو المحيط الهندى إبان أزمة القراصنة بالصومال، وكذلك الوجود المكثف عسكريا على مستوى المناورات مع مجلس التعاون الخليجي.

«وآمل أن أتناول فى مقالى المقبل السياسة الخارجية المصرية، وكيفية صياغة القرار فيها، ودور الخارجية فيه، والحاجة الماسة إلى إعادة منصب مستشار الأمن القومى المصري






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة