ضياء محمد فتحى يكتب: عن الفن

السبت، 25 أغسطس 2012 10:13 م
ضياء محمد فتحى يكتب: عن الفن لوحة فن تشكيلى - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا رجلٌ مِفَنٌّ، وهى امرأةٌ مِفَنةٌ، أى أننا نأتى بالعجائب، والفَنُّ فى اللغةِ هو النوعُ، وهو الحالُ.

وفى المُصطلح هو أسلوب يتخذهُ الإنسان لإبراز معنى ونقل صورة. وقد يصل حد التمكن فيهِ إلى الموهبة الفريدة والعبقرية النادرة، وتتنوع طُرق إبراز المعانى ونقل الصور (الفنون) إلى أشكالٍ عِدة كالرسم والنحت والموسيقى والغناء والتمثيلُ والرقصُ والأدب والتخيلُ والصفات، فبعض صفات الناس فن.

البعضُ يحصرهُ فى التمثيل فقط، وهذا ظلم، فهو أوسع وأشمل، حتى أنه يمكن القول بأن كل ما يحويه الإنسان من شعور واعتقادات وصفات ومواقف وأحداث يجد له فنانًا.

وعلى كل حال كنتُ أتصور أن عدد الممثلين فى مصر كثير جدًّا، لكنى فوجئت بأنه قليل إلى أقصى حد، فعلى سبيل المثال يُمكنكم حصر الممثلين الذين يؤدون أدوار الحركة على أصابع اليد، وكذلك أدوار الضَحكِ (الكوميديا)، وعلى النهج نفسه يمكنكم القياس.

هل أم الدنيا لم تعد تلد؟! هل لم يعد لدينا من أصحاب الأجساد والصفات والظل الخفيف والوجوه أحد وكذا فى باقى الفنون؟

الطيور صاحبة الريش المُلون تُفضلُ الموت على ألاَّ تفقد ريشها، والبشرُ فيهم من يكتب فى وصيته: ضعوا الفن الذى أعشقهُ فى قبرى.

ونحنُ فى مصر نتبرأ منهُ، ونأمر أولادنا بتجنبه، وننعتهُ بالشرير الهدام والوحش الشيطانى المُرعب، وهو فى الأصل أبيضُ ملائكى!!

رسالتى للفراعنة الصغار: يمكن لجبلٍ أن يتزحزح من مكانه خطوة، لكن الاعتقاد ولا ربع خطوة، لذا.. فأن يكونَ عندكم اعتقاد سيئ عن الفن، فإنه لن يتمكن أى أحد من تغييرهِ، فأرجوكم تدبروا وفكروا بعقولكم قبل اتخاذ القرار، وواللهِ، ذاتُ الذى نتحدث عنهُ لا حضارة قامت أو ستقوم بدونهِ، هذه هى القاعدة، اجعلوها عقيدة، ومرروها إلى جيرانكم وأصدقائكم، حولوا كل من يلمس أياديكم إلى مؤمن بها، اصنعوا مصر جديدة، أبدعوا، وتحرروا من قيد العادات، تغلغلوا داخله وتذوقوا جمالهُ الشافى وروحه النقية، وأدركوا ما هو موجود، وما يرقى بالناس إلى منزلة تجعلهم أحرارًا، مفكرين، مبدعين، مثقفين، وأصحاب ذوقٍ وثقةٍ وقرار.

لو أنى دافنشى لأبدعتُ لوحةً بألوان الطيف، رسالتها أن أحبوا الفنَّ، إنه حياة، وكونوا به أمراء ولو كنتم أفقر الفقراء، واصنعوا به زيًّا مُرصعًا بالنقاء، وأسسوا به عقلاً متفتحًا.

ولو أنى عبد الوهاب أو بيت هوفن، الموسيقار الأصم، والأعجوبة التى أرجو تكرارها فى نسخةٍ عربيةٍ مصريةٍ جديدة، لو أنا هما لأوجدتُ مزجًا حضاريًّا أسطوريًّا من الأنغام المُقدسة العفيفةِ، ولأوصلتُ عقدًا أطوِّقُ به أرواحكم، لتكبروا على أن الفنَّ ليس رجسًا من عمل الشيطان كما صور لكم آباؤكم الأولون.

واجهوا التقاليد التى تُحرم هذا المخلوق الجميل وتجعله رذيلة وتسجنه مدى الحياة.

قال ابن خلدون، الفيلسوف العربى: مستحيل أن يخلق الله عقولاً ثم يخلق شرائع تُعارض هذه العقول، فكل ما هو غير منطقى لن تجد له أصلاً.

المُبدع أيها السادة إذًا فيهِ شرٌّ، منعهُ عن الناس، وإذا أرادَ أن يُخبرهم بهِ يضعهُ على الأرض ويقفُ هو وهم فوق السحاب، ثُمَّ يُشيرُ لهم ناحيتهُ، محذرًا إياهم من أن يقربوه، ولكن أن يكونوا على بينة، وإذا بهِ خيرٌ نثرهُ نثرًا.

الفنانُ الحقُّ نيتهُ هدىٌ وإصلاحٌ وخيرٌ ليس إلاَّ، حتى وإن تضادَّ نتاجهُ معَ مُعتقداتك والطريقة التى تُفكر بها.

إذا كان نتاج أعمال المُبدع يُبرز عادةً أو سلوكًا على غير الخلق القويم فليس بدٌّ من أنه غايته أو يدعو إليه، إنه تفكير المرضى، إنهم يُضحون بأوقاتهم وأجسادهم وأرواحهم وسمعتهم النبيلة من أجل أن تصل الرسالة.

هل سألت نفسك يومًا: لماذا يحظى الفنُّ بهذا الاحترام كلهِ؟ لِمَ السادةُ والعلماءُ والفلاسفةُ والمثقفون باختلاف ثقافاتهم وألوانهم يُعظمونه ويجلونه؟!!

إذا كانت هناك إجابة مُقنعة فلابد أنها هى: لأنهُ مخلوقٌ نورى خفيف الروح حكيم العقل جميل الخلقةِ، ومَنْ خُلِقَ جميلاً خُلِقَ لهُ احترام الناس.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة