د. محجوب أحمد قاهرى يكتب: الصمت أقوى أسلحة السلطة
السبت، 25 أغسطس 2012 11:20 ص
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طرحت صحيفة "الشرق الأوسط"، الصادرة يوم 21 أغسطس الجارى، على السيد وزير العدل نور الدين البحيرى سؤالاً فى غاية الأهمية، نظرًا لضبابية المشهد السياسى فى تونس: إلى أين تتجه تونس؟ لم تكن الإجابة شافية، ولكن ممّا جاء فيها: "اخترنا العمل والتعالى والانكباب على خدمة الناس فى صمت". الحكومة اختارت الصمت والشعب تقتله الحيرة!!
ولم يستعمل مصطلح "الصمت" فى الممارسة السياسية الوزير البحيرى وحده، ولكن كثيرًا ما يستعمله الساسة، وكبارهم أيضًا، فقد قال شارل ديغول الزعيم الفرنسى: "الصمت أقوى أسلحة السلطة". وقال جورج واشنطن: "لا تتكلم فى موقف يحتاج الصمت". ولكن شعبى أمريكا وفرنسا، وما تزامن مع واقعهما من ثورات فكرية وثقافية، كانا يعرفان الخطوط العريضة التى تتجه إليها أحوالهما، وفى أفظع الأحوال ستبقى حقوقهما ومواطنتهما وحرياتهما فى كفالة الوعى الشعبى والديمقراطى.
وأما السيد البحيرى فعلى ماذا اعتمد ليختار الصمت؟ الديمقراطية كائن غريب عنَّا، نسمع عنه ولم نمارسه، والوعى الشعبى يحتاج إلى كثير من النمو والتطوّر، والمواطن لا يعرف ما حقوقه وما واجباته وآليات الحفاظ عليهما. وهناك نخب سياسية غارقة فى مجون السلطة وأمل الحكم، تسعى إلى تسميم الواقع مثلها مثل مافيا الجريمة والمخدرات، وقوى ردّة تدفع للخلف، وساقطون فى الأشهر الأولى من الثورة عادوا بعد فترة صمت طويلة أحسوا فيها بالأمن والأمان.
لماذا يصمت السيد البحيرى وحكومته ونحن لا نعرف ما حدث بالضبط؟ ألم يسمع السيد الوزير أنهم أصبحوا يشككون فى الثورة أصلاً، حتى أن سيئ الذكر برهان بسيّس عاد للتلفاز وقال: إن هذه الثورة ليست مجرّد "كاميرا كاشى"، وبشّر بالعود إلى الساحة السياسية فى أجل أقصاه خمس سنوات!! ألا يدعو هذا الحكومة إلى الابتعاد عن الصمت والحديث إلينا ليلَ نهار؟
ومن قتل الشهداء؟ ومن هم القناصة؟ هل هم رجال الجيش فعلاً؟ وأين ميزانية 2012؟ وأين الميزانية التكميلية؟ وأين المشاريع التى ينتظرها الشعب؟ ومن يعطّلها ليفوّت الفرص على المعطلين والفقراء والمساكين؟
وأين التشغيل؟ أين المخططات؟ لماذا يئس المعطلون عن العمل من الانتظار؟ وانتظار ماذا؛ فهم لا يعلمون؟
من يحرق الجهات ويغذى الصراعات؟ من يدعو إلى تقسيم البلد إلى "كنتونات" صغيرة؟ من أعاد تونس إلى مربّع العروشيّة من جديد ونمّاها وغذّاها وأطال فى أنيابها؟
أيها الوزير.. لقد اختاركم الشعب الذى صوّت لكم، وصرتم الشرعية، أحبّ من أحبّ وكره من كره، ومثلما يقول المثل العربى: "نحتاج أسبابًا كى نتكلم، لكن لا نحتاج شيئًا كى نصمت". والأسباب كثيرة تفرض عليكم الكلام، وتفسير الأحداث ومجرياتها إلى شعبكم وإلى من انتخبوكم أصبح واجبًا وطنيًّا، فالرؤية ضبابية وتكاد تكون منعدمة فى الكثير من المسائل الجوهرية.
ومثلما قلتم فى الصحيفة نفسها: لقد "اخترنا التعامل مع الناس بالحسنى واحترام حرية الناس وعدم استعمال ما تحتكره الدولة". فإنه عليكم أيضًا الانحياز دائمًا لهؤلاء الناس والحديث إليهم لتفسير كل ما يجرى، فلا ترعبكم "الفقاعات الإعلامية" التى يرفضها حتى الذين لم يصوّتوا لكم.
إن عملية البناء فى مرحلة التأسيس تحتاج إلى رباط قوى بين الحكومة وشعبها، وبهذا الرباط تقوى الدولة أو تسقط، تنجح أو تفشل، ويتأسس مفهوم المواطنة لدى ذاك المواطن المسئول الذى يساهم فى تحديد مصيره.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة