د. صلاح عودة الله يكتب إن لم تستحى فافعل ما شئت

السبت، 25 أغسطس 2012 12:14 ص
 د. صلاح عودة الله يكتب إن لم تستحى فافعل ما شئت فلسطينيين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ النكبة الفلسطينية الكبرى التى حلت بأبناء شعبنا، يعيش المسلمون والمسيحيون فى فلسطين فى جوا خاصا من التآلف والتآخى لا تشاهده فى أى منطقة أخرى، فشكل أبناء الديانتين حالة فريدة من العمل النضالى المشترك مع احتلال الأراضى الفلسطينية، وكانوا وما زالوا يتقاسمون معاناة الاحتلال، وتقاسموا الهم والوجع والألم، كيف لا وهم أبناء شعب واحد وإن اختلفت دياناتهم.

إن التعايش الإسلامى المسيحى فى فلسطين لم يكن تعايشاً طبيعياً بل تعايش ممزوج بدماء الشهداء، ومعاناة الأسرى، وتضحيات المناضلين الذين كانوا فى الخنادق الأولى للنضال الفلسطينى المشروع، وظل المسلمون والمسيحيون صفاً واحداً ضد كُل مشاريع التصفية للقضية والالتفاف على الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا...إنها فعلا ظاهرة فريدة من نوعها.

وقد شاهدنا هذا الوضع على أرض الواقع أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة، حيث كان المسلمون والمسيحيون فى كافة مناطق فلسطين نموذجاً فى العطاء والتضحية، وهبوا جميعا للاشتراك فى هذه الانتفاضة دفاعا عن أرضهم المسلوبة.
لقد حاولت دولة الاحتلال مرارا وبشتى الطرق أن تقوم ببث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين فى فلسطين، متبعة سياسة "فرق تسد"، نعم، لقد تمكنت من تجنيد أذناب لها من أتباع الديانتين ولكنهم قلة، إلا أن الإرادة الوطنية والمواقف البطولية كانت هى الغالبة وكان القرار نحن شركاء فى الدم والمصير، ولقد كانت حادثة كنيسة المهد خير شاهد على التضحية الكبيرة التى قدمها أبناء الطائفة المسيحية للمقاتلين فى محنتهم وحصارهم لأيام طويلة من قبل الصهاينة.
إلا أنه وللأسف، نلاحظ بروز بعض المواقف الغريبة عن ديننا وعاداتنا وتقاليدنا خلال السنوات الأخيرة، فى محاولة من بعض المجموعات تفتيت النسيج المجتمعى والوطنى وضرب التعايش السلمى والأخوى بين أبناء الشعب الواحد وما حصل فى قطاع غزة من أحداث فى الماضى القريب، تم تطويقه لأن كل قرار خارج عن الإرادة والإجماع الوطنى سيكون مصيره الفشل، وقد أكد شعبنا رفضه لكل محاولات المس بأبناء الطائفة المسيحية الذين نحترمهم ونقدرهم وسندافع عنهم حتى لا يكون شعبنا أمام فتنة طائفية بغضاء.
تعرض المشروع الاسكانى فى منطقة الشياح "بيت فاجى" فى قرية الطور مساء الثلاثاء الفائت إلى اعتداء غاشم من قبل مجموعة من الشباب غير المسئولين، فحطموا بعض السيارات ونوافذ المنازل كما أصيب عدد من قاطنى المشروع بجروح وإصابات بسبب الضرب ورمى الحجارة حيث نقل بعضهم إلى المستشفى، وقد قامت لجان الإصلاح فى الطور بتطويق هذا الحادث المؤسف الذى لا يمت إلى ثقافة شعبنا الفلسطينى.
ويقطن فى هذا المشروع الإسكانى الذى بنى حديثا أكثر من تسعين أسرة مسيحية مقدسية بإشراف دير الفرانسيسكان.

إننى أعتبر بأن هذا الاعتداء هو اعتداء غير إنسانى وغير أخلاقى ومن قام بهذا العمل القبيح لا يمثل شعبنا الفلسطينى وثقافته وقيمه، بل إنه اعتداء على كل أبناء شعبنا.
لا يخفى على أحد بأن ظاهرة العنف المستشرية فى مجتمعنا وخاصة فى مدينة القدس آخذة بالازدياد، حيث إنه وقعت خمس حالات قتل خلال الأربعة شهور الأخيرة، ويجب أن تواجه هذه الظاهرة ليس ببيانات التنديد والاستنكار فقط، وإنما بالتوعية والتربية الصحيحة، وحتى اللجوء إلى الجهات الرسمية المسئولة الوطنية والشريفة.
إننى أستنكر وبشدة هذا الاعتداء الإجرامى، وفى نفس الوقت أطالب أصحاب الضمير الوطنيين والشرفاء الغيورين على مصلحة شعبنا أن يقوموا بواجبهم ووقف مثل هذه المهازل، فالمسيحيون أخوتنا بالدم والعادات والأخلاق ولا فرق بيننا وبينهم، ولن نسمح باستغلال كونهم "أقلية" أن يعتدى عليهم، ويجب معاقبة المعتدين بأسرع وقت ممكن وتعويض المصابين وكذلك تصليح كافة الأضرار، ومن هنا نطالب من سيادة الرئيس أبو مازن بالتدخل شخصيا فى هذه الحادثة النكراء.
والسؤال الذى يطرح نفسه: هل يمتلك من قاموا بعمليتهم النكراء الجرأة أن يقفوا أمام هجمات المستوطنين الصهاينة وطردهم من بيوتهم التى أخذوها عنوة فى الطور وغيرها.. سؤال أطرحه، فهل من مجيب؟.إن المطلوب الآن هو معالجة هذه الحالة بوعى ومسئولية وحكمة لكى لا تستغل من قبل أولئك المغرضين الذين لا يريدون الخير لشعبنا.
إننى وكأحد أبناء القدس وتربطنى علاقات أخوية مع الكثيرين من إخوانى المسيحيين وكغيور على القدس وفلسطين، أعلن تضامنى الكامل مع العائلات المتضررة وأتمنى الشفاء العاجل لمن أصيبوا وتضرروا. سيبقى التعايش والإخوة بين المسلمين والمسيحيين فى فلسطين نموذجاً حياً لكل العالم، ولكل من يعمل على تعميق الطائفية البغضاء بين أبناء الشعب الواحد، وسيظل أبناء الطائفة المسيحية شركاء لنا فى الدم والمصير ولهم كافة الحقوق وعليهم الواجبات الوطنية تجاه فلسطين وقضيتنا وشعبنا وحقوقنا المشروعة فى إقامة دولتنا الوطنية المستقلة الديمقراطية، هذه الدولة التى سقط من أجلها كُل هؤلاء الشهداء ومازال الآلاف يضحون فى السجون، ويدفع ضريبتها ملايين المشردين واللاجئين فى دول الشتات، إننى أرفض جملة وتفصيلا كافة مظاهر العنف والطائفية المقيتة، وأؤكد على نشر ثقافة التسامح والإخاء الدينى والعيش المشترك، وهذه عاداتنا وتقاليدنا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين.
وفى النهاية، ما تبقى لى قوله: أعتذر شخصيا عما حصل.
تحية إجلال وإكبار لغبطة المطران عطا الله حنا، هذا الإنسان الذى يضرب لنا كل يوم مثلا للتآخى واللحمة الوطنية ودروسا فى النضال.. إنه إنسان قلما نجد له مثيلا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة