أحمد عبد الصبور عبد الله يكتب: مصر بين الشجاعة والحنكة والجبن

السبت، 25 أغسطس 2012 08:15 م
أحمد عبد الصبور عبد الله يكتب: مصر بين الشجاعة والحنكة والجبن صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


مصر بعدما تم إعلانها جمهورية عام 1954حتى ثورة 25 يناير اتخذت ثلاثة سبل مختلفة فى علاقتها الخارجية، حيث اتخذ كل رئيس من الرؤساء الثلاثة الذين حكموا مصر نهجًا مختلفًا تمامًا عمَّن قبله.

فإننا نجد أنفسنا أمام ثلاثة نماذج واضحة المعالم مكتملة الأحداث، يوجد بها الفعل ورد الفعل، الخطأ والصواب، الصالح والطالح، ولذلك فهى فرصتنا لكى نأخذ الإيجابيات ونبتعد عن السلبيات قدر الإمكان.

فتجد من طبق مبدأ الشجاعة والجرأة المصحوبة بالحق، وثانيًا استخدم الحنكة السياسية فى الحصول على حقه، وآخر استخدم الجبن والخضوع من أجل الحصول على فتات يلقى إليه، فهؤلاء من حكموا مصر، وهؤلاء من حددوا ملامح الأعوام الـ 60 المنقضية.

السبيل الأول هو الذى اتخذه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكان مبدؤه واضحًا صريحًا: كرامة، عزة للأمة العربية، مهما كلفنا الأمر، وكان رجل قرارات، لا يخشى فى الحق لومة لائم، وكان يتسم بالشجاعة والقوة الثورية التى يصاحبها الحق، ويؤيدها بقوة، وكان دائمًا باحثًا عن القوة التى استشعرها فى الوحدة العربية، فعمل على ذلك سنوات طويلة حتى وفاته، وكان هدفه الحصول على القوة من أجل استرداد الحقوق المسلوبة، كما قال: (إن الحق بغير القوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه استسلام). فهكذا كان الزعيم جمال عبد الناصر، أيد فكرًا يراود نفوسنا حتى هذه اللحظة، فكر الوحدة، ولم ينحنِ تحت أرجل من أرادوا استعبادنا ونهب جميع حقوقنا، لذلك قال: (لن يغفر لى الأمريكيون ما فعلته معهم.. حيًّا أو ميتًا). فهكذا كان الزعيم جمال عبد الناصر.

والسبيل الثانى هو سبيل الرئيس محمد أنور السادات، والذى اتخذ نهجًا مختلفًا كل الاختلاف عمَّن سبقه، حيث إنه نظر إلى العلاقات الخارجية بعين يمكن أن نسميها "أنانية سياسية" بمعنى أنه يكفيه مصلحة بلده فقط، دون النظر إلى باقى الأمة، التى نحن جزءٌ منها، وكان يتعامل بمبدأ الحنكة السياسية، يبحث عمَّا يحمى حاضرنا، وإن كان على حساب غيرنا، وحتى لو وصل إلى أن نتخلى عن بعض مبادئنا فى سبيل الخروج من دائرة الحرب والوصول إلى مرحلة سلام، مهما كانت عيوبها وما حل بها من أضرار، فإن هدفه كان الوصول إلى بر الأمان والسلام، كما قال: (نشهد الله تعالى والعالم أجمع على أننا لسنا دعاة حروب، ولا صناع دمار، وإنما نحن دعاة خير ومحبة وسلام؛ لأن ديننا يوجب علينا ذلك، ولأن تقاليدنا وأخلاقنا العربية تحبب إلينا ذلك، ثم إن تاريخنا المجيد الحافل يؤيد هذا ويؤكده(.

فكان هدفه وقف نزيف دماء المصريين كما قال: (يا كل ضحايا الحروب، املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام). فهكذا كان أنور السادات، عاش باحثًا عن السلام بحنكته السياسية.

والسبيل الأخير هو سبيل الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وتميز بالجبن الشديد والتزام الصمت وعدم القدرة على اتخاذ أى قرار مهما كان صغيرًا، وعاش طيلة فترة حكمه دون أى قرار مؤثر أو علامة فارقة مثل اللذين سبقاه، واعتمد على تنفيذ رغبات من رأى أنهم يحمون حكمه، والتى تحولت بمرور الوقت إلى أوامر واجبة التنفيذ، وكان هدفُه إرضاءَهم مهما كان ما سيحل ببلاده، وكان يرى أنه يحافظ هكذا على سلامة الأراضى المصرية بالذل والإهانة، وانعدام الكرامة، وبذلك فقدنا السيطرة على أراضينا وعلى قراراتنا وعلى كرامتنا وعلى حقوقنا وعلى عروبتنا وأصبحنا كالأطرش فى الزفة، "ولا سامعين حاجة ولا بنحاول نسمع، بس ماشيين مستنيين حد يشاور لينا نمشى فين ونعمل إيه وإزاى".

والآن أيها الرئيس المنتخب، أمامك ثلاثة سبل، سار عليها من حكموا مصر فى الأعوام الـ 60 المنقضية، فأى سبيل ستتخذ؟ وأى هدف ستسعى إليه؟ على أى مَرسَى سنرسو؟ فهذا قرارك أنت، وأنت من سيبحث عن الإجابة.

ولكن قبل أن تختار ألقِ نظرة على نهاية كل سبيل..

الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان - ولا يزال - عنوانًا للأمة العربية، قائدًا ثوريًّا، رمزًا من رموز القادة على مستوى العالم بأسره، لقى حتفه مسمومًا، ونال أعظم جنازة فى التاريخ لم يعرف العالم مثيلاً لها حتى الآن، حيث شيع جنازته 10% من الشعب المصرى، وخرجت المظاهرات فى كل الدول العربية حزنًا عليه، حزن عليه العالم كله، وخرجت كل الصحف فى كل العالم وفى صفحتها الأولى معلنة وداعًا للزعيم والقائد جمال عبد الناصر، وحتى الآن يترحم عليه كل عربى، ويحبونه حبًّا لا يوصف.

الرئيس الراحل محمد أنور السادات عاش باحثًا عن السلام، ولكنه تم اغتياله وسط جنوده ورجاله وأمام أعينهم، ولم يحاول أحد منهم إنقاذه، وتركوه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك فى يوم احتفاله بالنصر العظيم الذى حققه الجيش المصرى.

والأخير عاش حياة الجبن وهو رئيس، وأكملها وهو مخلوع، فقد قامت عليه ثورة شعبية أجبرته على التخلى عن الحكم، وتمت محاكمته، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وهو يعيش الآن متنقلاً على سرير المرض؛ خوفًا من المستقبل وما سيحل به فى الأيام القليلة المقبلة، ويرى بعينيه ما يحدث وما فعله فى البلاد ومن ظلمهم، ولا أحد يدرى ماذا ستكون نهايته، ولكن من عاش حياته فى طور الجبن فلابد أن يرى الذل والإهانة ما تبقى من حياته، كما قال شكسبير: (الجبناء يموتون مراتٍ عديدة قبل موتهم، والشجاع لا يكاد يذوق الموت إلا مرة واحدة).

والآن أيها الرئيس.. حدد طريقك واختر، فلك أنت وحدك الاختيار، ولكن اعلم أننا لن نقبل بالجبن مرة أخرى.

وأعانك الله على ما أنت فيه وأيدك على الحق، اللهم اخترْ لنا، فإننا لا نحسن الاختيار، ودبر لنا فإننا لا نجيد التدبير.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة