د. محمد صلاح أبو رجب

(1/4)

المسئولية الجنائية للرئيس فى الدستور الجديد

الجمعة، 24 أغسطس 2012 05:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انطلق عصر جديد بعد ثورة 25 يناير المجيدة، عصر سيادة القانون واحترام أحكام القضاء، ولم يعد فى هذا العصر حصانة لأى شخص مهما كان موقعه الوظيفى، فالكل يخضع للقانون والكل أمام القانون سواءٌ، بدءًا من رئيس الجمهورية حتى أصغر مسئول فى هذا البلد، وسوف نتعرض فى مقالات أربعة لما يجب أن تكون عليه المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية فى الدستور الجديد، نبدأها بإطلالة حول المسئولية الجنائية للرئيس فى دستور 1971، ثم نبين فى المقال الثانى أحكام المسئولية الجنائية المباشرة للرئيس، ونتعرض فى المقالين الثالث والرابع لأحكام المسئولية الجنائية غير المباشرة للرئيس باعتبارها مسئولية جديدة على تشريعاتنا العقابية.

فى بادئ الأمر دعونا نتفق على أن رئيس الجمهورية كان يتمتع بسلطات أصيلة وفعالة، يمارس بعضها مع الوزراء، كما أنه يتمتع بحصانة من اتخاذ إجراءات قضائية ضده، بيد أن نص المادة (85) من الدستور الساقط أوردت استثناءً على تلك الحصانة؛ إذ كانت تنص على أن "يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناءً على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس". ويوقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام، ويتولى الرئاسة مؤقتًا نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذرت نيابته عنه، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة (82)، وذلك لحين الفصل فى الاتهام".

ويتضح من هذا النص أن سلطة اتهام رئيس الجمهورية تكون لمجلس الشعب وحده دون غيره، ووفقًا لشروط محددة، وذلك هو أهم ما يتعلق بمسألة الحصانة؛ حيث أضفى الدستور المصرى - بموجب هذه المادة - على رئيس الجمهورية حصانة تمتد لتشمل جميع الأفعال الصادرة منه سواء أكانت الرسمية والمتصلة بإداراته لشئون البلاد أم غير متعلقة بواجبات وظيفته، وهذا يتضح من تحديد الجرائم التى يتهم بها، وهى:

الخيانة العظمى: وهى إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 77 إلى 80 من قانون العقوبات المصرى، والواردة فى الباب الأول من الكتاب الثانى، والخاص بالجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج.

ارتكاب جريمة جنائية: ومثالها جرائم القتل العمد لأحد الأشخاص، أو القتل الخطأ لأى سبب، أو غير ذلك من الجرائم التى يرتكبها.

هذا عن الجانب الموضوعى من نص المادة (85) من الدستور المصرى الساقط، أما الجانب الإجرائى لاتهام رئيس الجمهورية فيتم عن طريق استيفاء مرحلتين، أولاهما: أن يقترح ثلث أعضاء مجلس الشعب توجيه الاتهام لرئيس الجمهورية فى إحدى الجرائم سالفة الذكر، والأخرى: أن رئيس الجمهورية لا يصبح متهمًا إلا إذا صدر الاتهام من أغلبية ثلثى أعضاء مجلس الشعب.

وبصدور قرار الاتهام يتم إيقاف رئيس الجمهورية عن عمله، ويبدأ تشكيل المحكمة الخاصة لمحاكمته والتى يحددها القانون ويحدد إجراءات المحاكمة أمامها والعقوبة التى توقعها، وهى محكمة خاصة تتولى دون غيرها محاكمة رئيس الجمهورية.

وكانت المسئولية الجنائية لرئيس الدولة فى مصر تخضع لأحكام القانون رقم 247 لسنة 1956م الصادر بشأن محاكمة رئيس الجمهورية، حيث ينظم هذا القانون قواعد وإجراءات محاكمة رئيس الجمهورية من حيث شكل الهيئة التى تختص بالمحاكمة – وهى محكمة ذات وضع خاص من حيث التشكيل والإجراءات – وتتناسب مع طبيعة شخص المتهم الماثل أمامها أيًّا كانت طبيعة الجريمة التى يتهم بها حتى ولو كانت غير متعلقة بواجبات وظيفته، ولا يمثل أمام المحكمة العادية، كما يحدد القانون العقوبة التى يمكن توقيعها فى حال ارتكاب الرئيس إحدى الجرائم الواردة به.

وحرى بالذكر أنه رغم وجود نص دستورى يبين الجانب الموضوعى والإجرائى فى مسئولية الرئيس الجنائية، وكذلك وجود قانون خاص بمحاكمة رئيس الجمهورية؛ فإنهما كانا مجرد حبر على ورق، فلم يفعل النص الدستورى ولا القانون منذ صدوره عام 1956، وحينما توافرت الإرادة لمحاكمة الرئيس المصرى السابق عن جرائمه الجنائية التى ارتكبها أثناء كونه رئيسًا للبلاد فى أحداث 25 يناير وما بعدها تمت محاكمته وفقًا لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وليس طبقًا لقانون محاكمة رئيس الجمهورية.

ونحن نؤيد ضرورة استبقاء هذه المادة فى الدستور الجديد مع إدخال بعض التعديلات عليها، وإضافة مادتين أخريين لتوسيع نطاق المسئولية وأحكامها.

ونرى أنه من الضرورة بمكان أن يتضمن قانون العقوبات أو القانون الخاص بمحاكمة رئيس الدولة الذى يحيل إليه النص الدستورى نوعًا من الجرائم يُسأل عنها رئيس الدولة لم ترد فى قانون العقوبات، وهى الجرائم الأكثر خطورة المتمثلة فى الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ويحدد هذا القانون أركان هذه الجرائم.

ووجهة النظر فى إضافة هذه الجرائم أن أحداث 25 يناير أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك قصورًا تشريعيًّا، حيث لم ينظم قانون العقوبات الجرائم التى ارتكبت فى ميدان التحرير والميادين المختلفة، فقد نظم هذا القانون جريمة القتل العمد بـ (آحاد الناس تقتل آحادًا)، والقتل الخطأ بـ (الضرب الذى يفضى إلى الموت)، لكنه لم ينظم جريمة القتل الجماعى (الجرائم ضد الإنسانية)، وهى التى حدثت فى يوم 25 يناير وما بعده، حيث لم يكن فى ذهن الشارع أنه من الممكن أن يقوم نظام حاكم بقتل شعبه، لذا يلزم تلافى هذا القصور بإضافة هذه الجرائم، إما فى قانون العقوبات وإما فى قانون محاكمة رئيس الجمهورية.

كما أقترح أن يكون هناك تعديل فى الجانب الإجرائى فى محاكمة رئيس الدولة، والخاص بمن له الحق فى تحريك الدعوى الجنائية ضده، وذلك بأن يمنح هذا الحق - فضلاً على ثلث أعضاء مجلس الشعب - للنائب العام، بحيث يكون له حق توجيه الاتهام إلى رئيس الدولة إذا ما توافرت أدلة جدية على ارتكابه إحدى الجرائم الجنائية.

ولا أتفق مع الرأى الذى يرى ضرورة ألاَّ تكون هناك محكمة خاصة لرئيس الدولة وأن يحاكم مثله مثل أى مواطن، حيث إن رئيس الدولة يتمتع بسلطات وحصانات لا يتمتع بها المواطن العادى، لذا يلزم أن تكون له قواعد مسئولية تختلف عن قواعد المسئولية الخاصة بالمواطن العادى، وكذلك تكون له محكمة خاصة، وهذا معمول به على المستوى الدولى، ففى الجرائم التى ارتكبت فى البوسنة والهرسك شكل مجلس الأمن محكمة خاصة، وهى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، لمحاكمة القادة والرؤساء الذين ارتكبوا الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنسانى الدولى التى ارتكبت فى إقليم (يوغسلافيا السابقة) منذ عام 1991م، على أن يحاكم صغار القادة أمام المحاكم الوطنية ليوغسلافيا السابقة، وكذلك أيضًا شكل مجلس الأمن المحكمة الجنائية لرواندا لمحاكمة القادة والرؤساء ممن ارتكبوا الانتهاكات الجسيمة والخطيرة للقانون الدولى الإنسانى التى ارتكبت أثناء الحرب الأهلية فى (رواندا)، وكذلك أيضًا المحكمة الجنائية الدولية وضعت قواعد خاصة بمحاكمة القادة والرؤساء تختلف عن قواعد محاسبة الشخص العادى.

وأقترح فى نهاية المقال الأول صياغات لثلاث مواد فى الدستور الجديد تحدد المسئولية الجنائية لرئيس الدولة كالتالى:

المادة الأولى: "يُسأل رئيس الجمهورية جنائيًّا عن أىٍّ من الجرائم المنصوص عليها فى المادة الثانية من هذا الدستور فى حال قيامه بارتكابها بنفسه أو مع غيره أو بأى صورة من صور المساهمة الجنائية. كما يُسأل جنائيًّا إذا ارتكبت الجريمة بواسطة أحد المسئولين الحكوميين فى الدولة أو ممن هم تحت إمرتهم إذا علم أو تجاهل عن عمد معلومات تفيد بارتكاب الجريمة ولم يتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمنع ارتكابها أو معاقبة مرتكبها".

المادة الثانية: "يكون اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى القوانين المكملة أو فى قانون محاكمة رئيس الجمهورية بناءً على طلب من النائب العام أو باقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بموافقة أغلبية ثلثى أعضاء المجلس، وينظم القانون تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة الرئيس والإجراءات التى تتبع أمامها".

المادة الثالثة: لا يحول انتهاء ولاية الرئيس دون مساءلته جنائيًّا عن جرائم ارتكبها أثناء ولايته، وذلك طبقًا للقواعد والإجراءات التى يحددها القانون".


الخبير فى مجال القانون الجنائى الدولى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة