طه أمين يكتب: عن حَمَلَةُ المباخر

الخميس، 23 أغسطس 2012 10:09 م
طه أمين يكتب: عن حَمَلَةُ المباخر غلاف مجلة أكتوبر التى فيها صورة لمرسى يركب حصانا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنه طوفان تبدو نذره واضحة وظاهرة للعيان لا يخطئها نظر ولا حدس، إنه طوفان نفاق الرئيس.. طوفان النفاق.. ذلك الوجه القبيح بابتسامته الساخرة الذى يمكن لك أن تراه واضحة بين الكلمات، أو حتى فى باطن الأفعال التى يقوم بها محترفو النفاق.. إنها تلك الابتسامة الساخرة التى تتبدى لك من إناس حترفوا تركيب واستخدام قرون استشعارٍ يلتقطون بها إشارات تنبئ عن اتجاهات الرياح داخل مراكز النفوذ والقرار فى أى بلد أو مؤسسة أو حتى شركة، ليبدأوا موجة تسونامى من التطبيل نفاقاً لمن بيده القرار.. هم يعرفون إلى أين يتجهون.. لديهم حساسية عالية فى تحديد من يجب أن يتوجهوا إليه بنفاقهم، ومدى قبوله أو رفضه.. فهم يملكون مجسات تقيس عرض الابتسامة على وجه المسؤول ليعرفوا منها اتجاه أشرعتهم فى بحر النفاق.. لديهم الجرأة على إطلاق بالونات اختبار لقياس أعماق الجمل والكلمات التى سوف يستخدمونها.. يعرفون - بقرون استشعارهم- أى نوع من النفاق يستخدمون، وما إذا كان كافياً إسباغ صفات الحكمة والذكاء والتفرد على المسؤول الذى ينافقونه أم أن الأمر يستدعى السير فى طريق الهجوم على منافسى المسؤول ومعارضيه، ومن لا يرضى عنهم، يعرفون إلى أى حد يمكن الاستمرار فى الهجوم.. وهل يكتفى بنقل أخبار المنافسين للمسؤول أم أنهم يمكنهم الاتجاه إلى منحدر "فرش الملاءات" بكل مشتملاته.

إنه النفاق الذى يجعل واعظا يصف قرارات إدارية لمسؤول بتغيير قيادات قطاع من الحكومة بإنها أهم من قرار تأميم قناة السويس، ولمن لا يعرف من الأجيال الجديدة أن قناة السويس حين أُمِمتْ كانت فى يد الأعداء مغتصبى الوطن من الإنجليز والفرنسيين، وكانت استعادتها هى فى الحقيقة استعادة لحق المصريين فى أرضهم ومالهم.. إنه النفاق الذى يجعل مطبوعة حكومية تصور المسؤول على غلافها فى صورة فارس يمتطى صهوة جواده ليتخطى الحواجز، وربما يقول قائل إنها تأتى فى إطار الـ"صور التعبيرية"، ولكن كان يتوجب على إدارة المجلة أن تكون أكثر إدراكا لحساسية المصريين للنفاق وكل ما يدل عليه بالذات فى الفترة الأخيرة بعد أن عانوا منه لسنوات طويلة فى أنظمة سابقة.. إنه النفاق الذى يجعل كاتبا معروفاً يهين فنانة قررت الاشتراك فى مظاهرات معارضة للحكومة، ويسخر منها ويصفها بما يمكنننا اعتباره فى أقل الأحوال خروج على الذوق واللياقة.

إنه النفاق الذى لا يعرف سقفاً ولا حداً ويجعل واعظا يمد خط النفاق على امتداده ليتهم من يخرج فى مظاهرات ضدد الحاكم بالخوارج الذين يجب قتالهم، ليلتقط آخرٌ طرف الخيط ويصل به إلى الذرى ليتهم المعارضين للحكومة بأنهم معارضين لله، فالحاكم يحكم باسم الله.

يا سادة.. إن للنفاق رائحة تزكم الأنوف، إنها تلك الرائحة التى تميز أناس بأعينهم.. أناس احترفوا تسلق كل الأشجار، أناس احترفوا اللعب على كل الحبال فى سبيل تحقيق مكاسب شخصية من أى نوع.. حتى ولو كانت مكاسب وهمية يوحون بها إلى بسطاء الناس ليوهموهم بأنهم الاقرب إلى مراكز النفوذ وصنع القرار، ليوهموا البسطاء بانهم المَرضىُّ عنهم من أصحاب السلطة.. أن هؤلاء المنافقين يشكلون خطرا ماديا وحقيقيا على الأرض على أصحاب السلطة أنفسهم فصاحب السلطة ربما يحتاج إلى جهاز دعائى قوى ومحترف ليبرز إنجازاته الحقيقية والواقعية، ولكن وجود المنافقين حوله يقتل كل إنجاز وجهد مبذول، إن المنافقين خطر لأنهم مستعدون لبيع ذممهم وضمائرهم لمن يدفع آكثر. وهنا يمكنهم أن يبيعوا أصحاب السلطة من أجل مكاسبهم.. إنهم يشكلون خطراً، لأنهم باستخدامهم المفرط لاسمه يجعلون الناس تنفر منه وترسم له صورة ذهنية سلبية، كمن يقبل النفاق ويكافئ عليه، وتضيع كل جهود صاحب السلطة فى الإصلاح بسبب حاملى المباخر، قارعى الطبول، الأكالين على كل الموائد.. أن صاحب السلطة لابد أن يكون واعيا لهذه الطائفة من الناس.

لابد أن لا يفقد القدرة والإصرار والصبر على كشفهم وتعريتهم ورفض نفاقهم علانية أمام الرأى العام.. لابد من إيقافهم عند حدهم، وعقابهم إذا لزم الأمرُ أن هم أصروا على النفاق فهم كالسوس ينخر فى جسد أى منظومة تملك السلطة والنفوذ حتى يقضى عليها فى النهاية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة