طه أمين يكتب: زيارة السيدة العجوز.. نظرة للتأمل
الإثنين، 20 أغسطس 2012 04:02 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يخفى على المتابع للساحة السياسية المصرية، داخلياً وخارجياً أثر زيارة كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية للبلاد قبل أيام من حادث رفح ومن التغييرات التى قام بها رئيس البلاد فى قيادات القوات المسلحة بدءاً من قائدها العام مرورا وانتهاء بمعظم قيادات الأسلحة والجيوش والمخابرات العامة والحربية، ليفتح باباً للجدل حول دور وزيرة الخارجية الأمريكية فى هذه التغيرات فى حده الأدنى وهو معرفتها بها ومناقشتها مع الرئيس وحزبه أو فى الحد الأعلى لهذا الدور وهو المطالبة بهذه التغييرات والتدخل فيها.
ولا يملك المتابع إلا الربط بين أثر كلينتون فى خلق حالة الجدل والانقسام بين المصريين حول دورها وبلادها فى القرارات الأخيرة، وبين الأثر السلبى للسيدة العجوز "كلارا" فى مسرحية "زيارة السيدة العجوز" لكاتب السويسرى الأشهر فريدريش دورينمات"١٩٢١- ١٩٩٩".
لينقسم المصريون بين مؤيدى معارض لهذه القرارات، ولكن يتفق الكل على استغلال هذه الزيارة والاستفادة منها على كل الأحوال، إما الإغراق فى تأييد الرئيس الجديد وأسباغ علامات الحكمة والذكاء السياسى عليه، أو فى الإغراق فى الهجوم عليه والتدليل على أن القرار المصرى - المرسى غير مستقل وأنه يخضع فى حقيقته لإملاءات أمريكية.
وتوقف القليلون لتحليل قرارات الرئيس بصورة منطقية دون إسقاط مشاعر الحب أو الكره تجاه الرئيس على قراراته، وتناسى الجميع أنها خطوة منطقية فى إطار التغيير الذى يحدث فى كل بلاد العالم عند تغيير الإدارات الحاكمة عن طريق الانتخابات سواء أعجبتك نتيجة الانتخابات أم لا، تناسى الجميع أن تغييرا من هذا النوع كان متوقعا بصورة مؤكدة لإثبات سلطة الرئيس على الجيش، وهو الموضوع الأهم بالنسبة للرئيس وحزبه لإثبات بسط سلطتهم الكاملة على مصر كلها، مصر المدنية ومصر العسكرية، تناسى الجميع أن هذه الخطوة - بغض النظر عن قبولك لها من عدمه - تأتى لقطع الطريق على من يتصورون أن الجيش سيقف ضد الرئيس أو سيحاول الانقلاب عليه على طريقة الدعوات التى انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعى بعد حادث رفح والتى كانت - بصورة تدعو للسخرية والشفقة على أصحابها - تطالب الجيش بانقلاب سريع وفورى على رئيس الجمهورية، وكان ينقصها أن تحدد توقيته وسيناريو اليوم التالى للانقلاب، مما جعل الكثير من قليلى الخبرة يصدقون أن هذا قد يحدث واستمروا فى المطالبة به، ليأتى قرار الرئيس بإحالة قادة الجيش للتقاعد ردا على هذه الدعوات المضحكة من قليلى العلم بالسياسة وقليلى الخبرة بآلياتها.
ونعود للسيدة العجوز كلينتون، فقد كانت تصريحات وزارة الخارجية بعد التغيرات، ثم تلتها تصريحات البيت الأبيض التى أكدت معرفة الإدارة الأمريكية بالتغييرات قبل حدوثها، بل وأنه قد تمت مناقشتها وربما المشاركة فى اختيار شخصيات بعينها لمناصب بعينها، أقول إن هذه التصريحات أحدثت حالة من الانقسام والجدل حول مدى تأثير الإدارة الأمريكية على قرارات الإدارة المصرية الجديدة، ولم يُجدِ تكذيب الإدارة المصرية لهذه التصريحات فى تغيير الصورة السياسية للعلاقة بين الإدارة الجديدة وأمريكا من حيث إنها علاقة فيها الكثير من التعاون والتشاور فيما يخص شئون مصر الداخلية، بل يمكن القول إن إصرار الإدارة المصرية على تكذيب هذه التصريحات، جاء ليؤكد هذه الرؤية، فبعد الخبرة السيئة مع نفى الإدارة المصرية لأى رسائل متبادلة مع الإدارة الإسرائيلية، ثم العودة للإقرار برسالة جاءت فى إطار بروتوكولى لا يحمل أى شكل من العلاقات بين الإدارتين، ليأتى نفى الإدارة المصرية، مؤكدا لشكوكٍ كثيرة حول تأثير أمريكا فى قرارات مصر، وفى النهاية فإن الإدارة المصرية الجديدة تحتاج لأن تتعلم الكثير عن تعاملات السياسة الخارجية، و لابد أن تعرف أن الناس فى بلاد الفرنجة لا يخفون شيئاً عن شعوبهم، وأنهم يعلنون بشفافية ووضوح كل تحركات حكوماتهم حتى العدائى منها تجاه دول أخرى، وأنهم - فى تلك البلاد الغريبة - يعملون بالمثل المصرى "اللى يزمر مايخبيش دقنه"، بينما نحن الأولى بتطبيق هذا المبدأ فى إطار رسم صورة جديدة لإدارة جديدة تحتاج لطمأنة معارضيها قبل المؤيدين لها.
مشاركة