
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك لحظات تبدو صغيرة قد لا تثير اهتمامنا تمر بنا دون التفات، تساوى لدى الزوجات والأبناء والذين من حولنا الكثير والكثير، وهناك ألوان وأشكال للحظات وفرص جميلة لا يمكن أن ينساها الآباء أو الأبناء أو الذين حولنا، بل يستعيدونها دائما ويرونها بكل فخر وسعادة.
وما يهمنا فى هذا الموقف هو اللحظات الحلوة التى نعيشها وتشعرنا أننا أسعد أهل الأرض، تلك اللحظات التى نتمنى لو تستمر وتتواصل ولا تتوقف أبداًَ! إنه شعور جميل أن نحس بتلك اللحظات الحلوة والمشاعر الرائعة.
فهل نبخل على غيرنا ممن نحب أو ممن يحتاجون (المرضى والضعفاء) بمثل هذه اللحظات أليست سعادتهم هى جزء من سعادتنا.
ففى أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمان فى غرفة واحدة، كلاهما يشكو مرضا عضالا، وكان أحدهما مسموحاً له بالجلوس فى سريره لمدة ساعة يوميا بعد العصر، ولحسن حظه فقد كان سريره بجانب النافذة الوحيدة فى الغرفة، أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت، كان المريضان يقضيان وقتهما فى الكلام دون أن يرى أحدهما الآخر، ولأن كلاً منهما كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف، تحدثا عن أهليهما وعن بيتيهما، وعن حياتهما، وعن كل شىء وفى كل يوم بعد العصر، كان الأول يجلس فى سريره حسب أوامر الطبيب، وينظر فى النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجى، وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة فى الخارج: ففى الحديقة كان هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط، والأولاد صنعوا زوارق من مواد مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء، وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها فى البحيرة. والجميع يتمشى حول حافة البحيرة، وهناك آخرون جلسوا فى ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجذابة، ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين، وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه ينصت الآخر فى ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع، ثم يغمض عينيه ويبدأ فى تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى، وفى أحد الأيام وصف له عرضاً عسكريا، ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية إلا أنه كان يراها بعينى عقله من خلال وصف صاحبه لها. ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه، وفى أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض الذى بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل، ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهى تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة، فحزن على صاحبه أشد الحزن، وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة، ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه. ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذى كان يتحفه به صاحبه انتحب لفقده، ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته فى هذه الساعة، وتحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه، ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة لينظر العالم الخارجى، وهنا كانت المفاجأة!!. لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة على ساحة داخلية.
نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هى النافذة التى كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت إنها هى!! فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة، ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له. كان تعجب الممرضة أكبر، إذ قالت له: ولكن المتوفى كان أعمى ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم! ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت ألست تـُسعد إذا جعلت الآخرين سعداء؟ إذا جعلت الناس سعداء فستتضاعـف سعادتك، ولكن إذا وزعـت الأسى عـليهم فسيزداد حزنك، إن الناس فى الغالب ينسون ما تقول، وفى الغالب ينسون ما تفعل، ولكنهم لن ينسوا أبداً الشعور الذى أصابهم من قِبلك. فهل ستجعلهم يشعرون بالسعادة أم غير ذلك.
وكما يقول أحد الحكماء وهو يعظ ابنه:
"يا بنى! اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تَظلِم كما لا تحب أن تُظلَم، وأحسِن كما تحبّ أن يُحسَن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من النّاس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك».
ويقول ديل كارنيجى: "أظهر ما استطعت من اهتمام بالناس، فهو ثروتك التى تزداد نموّاً كلّما أنفقت منها".
وأيام العيد وما به من لحظات سعيدة فرصة لإدخال السرور والسعادة على قلوب من نحب،
فماذا أنت فاعل فى العيد، وما هى خطتك نحو إدخال السرور نحو أهلك وجيرانك والمرضى والمحتاجين واليتامى والمساكين.
مشاركة