تغدق قوى إقليمية المال والسلاح على مقاتلى المعارضة، وينضم إليهم جهاديون فى معركتهم للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، بينما ترد قواته التى تتمتع بتسليح جيد، لكنها تعمل تحت ضغوط شديدة بقسوة وتقاتل مستخدمة الطائرات الحربية والمدفعية.
وأصبحت المشاهد المروعة للقتلى من المدنيين أو مقاتلى المعارضة الذين أعدموا لقطات يومية للصراع المتفاقم فى سوريا، وتشير لقطات مصورة تظهر فيما يبدو معارضين وهم يقتلون بدم بارد أفرادا من الميليشيا الموالية للأسد رميا بالرصاص إلى أنهم قادرون على ارتكاب أعمال لا تقل فظاعة عما يفعله أعداؤهم.
وبعد مضى ما يقرب من 17 شهرا على بدء الانتفاضة المناهضة لدكتاتورية الأسد يتحول الصراع فى سوريا إلى حرب إقليمية بالوكالة بين الإسلام السنى والإسلام الشيعى قد تقسم البلد على أسس طائفية ما لم تبرز قيادة موحدة للمعارضين لحكم الأسد كمعارضة جديرة بالثقة.
ولا يرى المراقبون لسوريا أى علامة على وجود معارضة جاهزة لإدارة البلاد إذا أفلت زمام السيطرة من الأسد وعائلته اللذين تستند قوتهما إلى الأقلية العلوية الشيعية.
ويخشى البعض أن يتحول الوضع إلى حرب على النمط اللبنانى تجتذب الجميع، حيث تقاتل جماعات مسلحة من مختلف الأطياف العقائدية والطائفية طلبا للسيطرة على الأرض فتحول سوريا إلى شظايا تلقى بها فى مستنقع الدول الفاشلة.
ومع مساندة جمهورية إيران الإسلامية الشيعية للأسد وتأييد السعودية ودول عربية سنية أخرى للمعارضة قد تصبح سوريا ساحة تتحول فيها الحرب الإقليمية السنية- الشيعية الباردة إلى حرب أهلية مفتوحة يمكن أن تزعزع استقرار جيرانها لبنان وتركيا والعراق والأردن.
وقال أيهم كامل من مؤسسة أوراسيا جروب لاستشارات المخاطر السياسية، إن الوضع فى سوريا هو بشكل شبه مؤكد حرب بالوكالة.
ويضيف قائلا "فى هذه المرحلة من الصراع من الصعب عدم القول إن البعد الدولى للصراع فى سوريا يطغى على البعد الداخلى."
وأضاف "سوريا الآن ساحة مفتوحة، فى اليوم الذى يسقط فيه الأسد ستجد كل هذه الجماعات المختلفة ذات الأهداف والأولويات المختلفة والولاءات المختلفة والتى تؤيدها دول مختلفة ومع ذلك فهى عاجزة عن تشكيل قيادة متماسكة."
وبدأت الانتفاضة السورية فى 15 مارس 2011 كحركة داخلية مناهضة لحكم عائلة الأسد المستمر منذ 40 عاما على غرار الانتفاضات التى أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن لكنها تحولت الآن إلى ساحة للتدخل الخارجى.
وأعرب كامل عن اعتقاده أن سوريا تتفكك الآن بالفعل وأن الجيش السورى الحر -وهو التنظيم الجامع للكثير من المجموعات المسلحة التى تقاتل للإطاحة بالأسد- لا يعدو أن يكون وكيلا لجماعات سنية.
وتعانى المعارضة السياسية فى الخارج الممثلة فى المجلس الوطنى السورى الذى يضم الإخوان المسلمين ونشطاء يطالبون بالديمقراطية وجماعات يسارية من التنافس العقائدى والدينى الذى يعوق محاولتها لتكوين بديل سياسى للأسد.
ويمثل المجلس الوطنى السورى صوتا دوليا للمعارضة لكن قادة قوات المعارضة فى الميدان يقولون إن القيادة فى الخارج ليس لها صلة تذكر بما يحدث فى سوريا.
وتتبدى الخلافات فى صفوف المعارضة فى التصريحات المتعارضة بشأن كيفية التعامل مع الصراع حيث تطالب بعض الجماعات بمزيد من السلاح بينما تدعو جماعات أخرى إلى التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
وما إن أعلن بعض الأعضاء البارزين فى المجلس الوطنى السورى تشكيل ائتلاف سياسى جديد يخطط لإقامة حكومة انتقالية بعد الأسد حتى تعرض للهجوم من جانب رئيس المجلس الوطنى عبد الباسط سيدا وقائد الجيش السورى الحر العقيد رياض الأسعد.
من جانبه، قال سيدا، إنه إذا خرجت كل مجموعة بمفردها تعلن تشكيل حكومة جديدة دون إجراء محادثات فسينتهى الأمر إلى وجود سلسلة من الحكومات الضعيفة التى لا تمثل أحدا، فيما وصف الأسعد الائتلاف الجديد بأنه مجموعة من "الانتهازيين" يسعون للاستفادة من مكاسب قوات المعارضة.
وفى الميدان تزداد الصورة قتامة، فسلطة الدولة تتفكك بالتدريج وببطء، وباتت كثير من مناطق سوريا خارج سيطرة الحكومة وتحل النزعة الإقليمية محل الوحدة الوطنية وتتكاثر مجموعات المقاتلين المعارضين ذات القيادات المختلفة وبرامج العمل المختلفة.
وصعدت الحكومة حملتها العسكرية منذ وصل المقاتلون المعارضون بمعركتهم إلى دمشق وحلب الشهر الماضى ونفذوا تفجيرا استهدف الدائرة الضيقة المحيطة بالأسد قتل فيه زوج أخته وثلاثة آخرين من كبار قادته لعسكريين.
وتزيد الانقسامات الدينية فى سوريا تعقيد الصراع حيث ينتمى الأسد ووحدات النخبة العسكرية إلى الطائفة العلوية وهى أقلية فى بلد غالبية سكانه من السنة، ويمثل العلويون 12% من سكان سوريا الذين يبلغ عددهم 23 مليون نسمة، لكن من المعتقد أنهم يمثلون 40% من الجيش وأغلبية ميليشيا الشبيحة الموالية للأسد، أما السنة فهم 75% من السكان ويشكلون أغلبية المعارضة.
وللسلطات اليد العليا فى الصراع بفضل تفوقها فى قوة النيران ووحدات النخبة ذات الولاء للنظام لكن المعارضين فى الميدان مقاتلون شديدو الحماس والهمة يزدادون قوة بتحسين التسليح والتدريب والتنظيم.
ومع استمرار الصراع دون حل يقول بعض السوريين، إن مجموعات من الإسلاميين الجهاديين المحليين ومقاتلى القاعدة تضطلع بدور نشط.
ويتفق معظم المحللين على أنه لا وجود "لسيناريو جيد أو سار" وأن فرصة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض تحت رعاية مبعوث الأمم المتحدة كوفى عنان منعدمة.
ويكشف نجاح قوات الأسد فى استعادة السيطرة على المناطق التى سقطت فى أيدى المعارضة فى دمشق باستخدام القوات الجوية وحملتها الضارية فى حلب عن أن الحكومة ما زالت لديها القدرة على القتال والصمود لكن معظم المحللين يعتقدون أنها ستجد صعوبة شديدة فى الاحتفاظ بالقوة الدافعة فى المدى الطويل.
ويعتقد البعض أن السلطات أعدت خطة طوارئ تحسبا لانهيار حكم الأسد وهى التراجع إلى الجيب العلوى على الساحل الشمالى الغربى بعد توسيعه من خلال التطهير العرقى لبعض المدن بما فى ذلك حلب وحمص.
رويترز: لا نهاية سعيدة فى سوريا مع تحول الصراع إلى حرب بالوكالة
الخميس، 02 أغسطس 2012 10:32 ص
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة