أكد أنثونى كون، سفير دولة جنوب السودان بالقاهرة أن بلاده لا تريد أن يكون بينها وبين القاهرة أى عداوة، وإنما تبحث دائما عن علاقات جيدة، متهما الخرطوم بأنها تحاول دق إسفين بين القاهرة وجوبا للحصول على دعم مصر.
كون الذى يعد أول سفير لجنوب السودان بالخارج، تحدث فى حوار مع اليوم السابع عن العلاقات التى تربط مصر ببلاده، وتأثرها بالعلاقات التى تربط جوبا بتل أبيب.
وإلى نص الحوار ..
بعد مرور عام على استقلال دولة جنوب السودان، أين أنتم الآن، هل وصلتم لدولة مستقلة بالفعل أم أمامكم وقتا ؟
نحن دولة مستقلة بدليل أن لدينا حكومة معترف بها دوليا، ولها عضوية بالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى وفى المنظمات الدولية الأخرى، كما أننا أسسنا كل مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان والهيئة القضائية، وتكوين الوزارات المختلفة، ومسئولو الولايات، ولدينا بنك مركزى وجيش وشرطة، ولنا علاقات خارجية مع جميع دول العالم، لذلك نحن دولة مستقلة ونشعر أننا ذات سيادة.
الدولة المستقلة تحتاج لاقتصاد قوى وقدرة فى الحفاظ على الحدود، هل وصلتم لتحقيق الأمرين ؟
فيما يتعلق بالاقتصاد فنحن لدينا اقتصاد وإن كان اقتصادا بدائيا يعتمد كثيرا على البترول، لكن لدينا أشياء كثيرة وموارد بخلاف البترول لم نقم باستغلالها حتى الآن، لأننا لازلنا فى العام الأول بعد الاستقلال، لدينا مساحات شاسعة من الأراضى وثروة حيوانية وسمكية، ولدينا العديد النادرة، ونحن لدينا آمال كثيرة لتطوير اقتصادنا، وسبق أن عقدنا مؤتمرات كثيرة دعونا فيها المستثمرين من جميع دول العالم، ومنهم من أتى للجنوب وعمل، ومنهم لازال يدرس فرص الاستثمار.
وفيما يتعلق بعملية ضبط الحدود ؟
كانت معنا إشكالات فى مناطق متنازع عليها مع الخرطوم، ونحن فى مفاوضات حول المناطق الحدودية الآن فى أديس أبابا، و تطلع للوصول إلى تفاهمات واتفاقات بشأن الحدود، لكن فى المقابل تم ترسيم حوالى 80% من الحدود ، ولم يتبق سوى 20% فقط متنازع عليها خاصة فى أبيى وهجيليج ومناطق أخرى .
هل وجودك بالقاهرة أتاح لك فرصة لدعوة المستثمرين المصريين للاستثمار فى جنوب السودان ؟
من أكثر الملفات التى أعطيتها اهتمام كبير منذ وصولى للقاهرة هو الملف الاقتصادى، واجتمعت خلال شهرين بحوالى 450 مستثمرا مصريا، وهناك بعض المسئولين ممن ساعدونى للالتقاء بالمستثمرين المصريين للتباحث حول كيفية تحقيق استفادة لرجال الأعمال المصريين من الفرص المتاحة فى جنوب السودان، ومنذ أيام كان لى لقاء مع المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، وطارق عامر رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى، وأيضا قابلت رئيس مجلس إدارة بنك HSBC، كما أن رجل الأعمال أحمد بهجت لديه استثمارات فى الجنوب، وإن شاء الله فى الأيام القادمة تكون هناك خطوات ملموسة فى هذا الملف.
ألم تشعر بأن هناك تخوفا من المستثمرين المصريين للاستثمار فى جنوب السودان ؟
واحد من التوجيهات التى وجهنى بها الرئيس سيلفا كير قبل مغادرتى لجنوب السودان أن أحث المستثمرين المصريين بأن يأتوا للجنوب، وأنا أبلغت المسئولين فى مصر بهذا التكليف، ولازالت أسعى جاهدا لتحقيق ذلك، ومن المتوقع أن يصل القاهرة خلال الأيام المقبلة وفد من وزارة الاستثمار بجنوب السودان لكى يشرحوا للمصريين فرص الاستثمار، كما سنصطحب مجموعة من رجال الأعمال المصريين لزيارة جوبا .
هل ترى أن العلاقات ما بين القاهرة والخرطوم، ستكون عائقا أمام التواصل والاستمرار بين جوبا والقاهرة ؟
من الجانب المصرى ليس لدينا مخاوف، لأن الإخوة فى مصر أدرى بمصالحهم، وهم سبق أن أبلغونا أكثر من مرة عن رغبتهم الأكيدة فى التعاون مع جنوب السودان، ومصر موجودة فى الجنوب منذ فترة طويلة جدا، وقدمت لنا خدمات كثيرة ولدينا علاقات ممتازة جدا، لذلك لا يوجد لدينا مخاوف.
الخوف الوحيد أن الإخوة فى نظام الخرطوم عندما تحدث مشاكل بيننا وبينهم يحاولون دائما الاستنجاد بمصر، والظهور فى الإعلام كمن يتضرر مصالحه بعلاقات الجنوب مع دول الجوار الأخرى، والغرض من هذا هو أن تحصل الخرطوم على الدعم المصرى والعربى، وكثيرا ما يستعملوا تخويف الناس أن مياه النيل فى خطورة ونحن نعلم أن النيل شىء مهم جدا بالنسبة للمصريين.
الخرطوم تلعب دائما على وتر مياه النيل لكى تحصل على دعم مصر، وأحيانا يحاولوا الحديث عن موضوع تقويض الأمن العربى باستغلال علاقات جنوب السودان مع إسرائيل أو الدول الأخرى، وهذه كلها أشياء بحجة الحصول على الدعم المصرى والعربى، رغم أننا فى جنوب السودان علاقاتنا مع مصر متنامية ومتطورة لأننا مستفيدون من هذه العلاقات كما أن الإخوة فى مصر مستفيدون، أما علاقاتنا مع الدول الأخرى، فنحن أدرى بمصالحنا.
الخرطوم تحاول دائما دق إسفين بين جنوب السودان ومصر، والعرب والمسلمين، هذه هى مخاوفنا أن يؤثر الخطاب السياسى لنظام الخرطوم على مصر، ونحن متأكدين أن الإخوة فى مصر متفهمون ولديهم الرغبة فى تكثيف العلاقة مع الجنوب.
حتى مع صعود الإسلاميين للحكم فى مصر ؟
هذه الرغبة موجودة دائما والدليل على ذلك أن الدكتور محمد مرسى التقى الرئيس سيلفا كير على هامش القمة الأفريقية بأديس أبابا وتحدثوا مع بعضهما، وهذا دليل على أن علاقاتنا ليست مبنية على أشخاص وإنما هى علاقة شعوب، كما أن الإسلاميين فى مصر هم مصريون وليسوا أجانب، ونحن نتعامل مع مصريين، كما أن المصريين لديهم مصالح فى جنوب السودان، كما أننا لدينا مصالح فى مصر.
لماذا يظهر بشكل دائم أن جنوب السودان لا تميل للعرب وأنها تبحث عن البديل ؟
أولا لابد أن تعرف خصوصية المواطنين الجنوبيين لكى تحاول الرد على هذا التساؤل، الجنوبيون فى الأصل قبائل أفريقية وكانوا موجودين داخل دولة السودان القديمة وأصبحوا يتحدثون اللغة العربية لكن فى الواقع عرقيا ينتمون للقبائل الموجودة فى دول الجوار مثل كينيا وأوغندا، الاستعمار أنشأ الحدود وهذه الحدود قسمت القبائل بين الدول، والإنسان بطبيعته لأصله، فهذا أمر طبيعى كون أن الجنوب تعامل مع دول الجوار الأفريقية، فهذا لا علاقة له بما يقال عن كراهية الجنوبيين للعرب أو غيره، لأن الواقع يفرض هذا التعامل.
العرب أشركنا معهم فى شمال السودان واستفدنا منهم واستفادوا منا وأخذنا منهم كثيرا من الثقافة واللغة، وأصبح لدينا مجموعة من المصالح المشتركة.
هل هذا يعنى أن فكرة انضمام جنوب السودان لجامعة الدول العربية أمر مرفوض من جانبكم ؟
لم يمر على استقلالنا سوى عام واحد، كما أن جامعة الدول العربية على لسان ممثلها أثناء الاحتفال باستقلال جنوب السودان قال فى خطابه إن للجنوب الحق إن أرادت الانضمام لجامعة الدول العربية، كما أن الجامعة لها ممثل الآن فى جوبا، كما أن هناك مقترحا آخر بأن تنضم جنوب السودان للجامعة بصفة مراقب، ونحن دولة نرى أن الانضمام إلى أى من المؤسسات الدولية يحتاج إلى دراسة، خاصة أننا لا نملك خبرة سابقة بآليات العمل بجامعة الدول العربية، كما أن الانضمام يحتاج لقرار شعبى، ولابد ألا تكون هناك فى المنظمة التى نود أن ننضم إليها أشياء تتعارض مع مصالحنا.
لذلك فإن هذا الأمر خاضع للدراسة وعندما يحين الوقت ونرى أن مصالحنا لا تتعارض مع الانضمام فلا يوجد شىء يمنعنا من الانضمام للجامعة العربية.
هل أنتم مع الفكرة السائدة بأن جنوب السودان دولة مسيحية تهدد الهوية الإسلامية؟
هذا كلام غير صحيح، لأن الجنوب ليست دولة مسيحية، وإنما دولة كل الأديان فيها محترمة، الدين لله والوطن للجميع، ونحن نعمل بقانون فصل الدين عن الدولة.
ووفقا للدستور فإن كل المواطنين لديهم كل الحقوق، المسلمون والمسيحيون وغيرهم لهم حقوق، وهذا هو قانونا، كما أن المسلمين عندنا لديهم مجلس الإسلام لجنوب السودان، ولدينا مفتى للمسلمين ومساجد ومجموعات تذهب للحج والعمرة، وفى رمضان الدولة تحتفل بإقامة إفطار جماعى.
إذن أنتم لستم أداة لتقويض الدول الإسلامية العربية ؟
نحن لسنا أعداء الدين ولسنا أعداء الله، فبالتالى نحن دولة فصلنا الدين عن الدولة لكى نوحد المواطنين، ولا نقحم مسألة الدين فى الدولة.
إذا انتقلنا للعلاقات التى تربط جنوب السودان بإسرائيل، كيف ترى هذه العلاقة وتأثيرها على علاقتكم بالدول العربية ؟
أولا سياسيتنا الخارجة بنيت على الانفتاح على الجميع، وبناء على ذلك أسسنا علاقاتنا مع جميع الدول بناء على مصالحنا، وكانت أول سفارة لنا فى الخارج وأول سفير وصل لعمله هو سفير جنوب السودان فى مصر، فأنا أول سفير لجنوب السودان بالخارج، وهذا دليل على اهتمامنا وعلاقاتنا بمصر، ولازلنا حتى الآن اقترحنا إقامة سفارة بإسرائيل لكن لم تفتح أبوابها حتى الآن، وهذا يدل على عمق العلاقة مع مصر التى لدينا معها خطوط اتصالات يوميا من خلال مصر للطيران وفى المقابل ليس لدينا خطوط مباشرة مع إسرائيل، كما أن لدينا آلاف المواطنين المقيمين فى مصر يقتسمون كل شىء مع إخوانهم المصريين، ولدينا طلاب فى الجامعات المصرية، ولدينا فى الجنوب فرق مصرية فى الرى، ولا يوجد مكان فى الجنوب إلا وبه مصر، وإذا لم تكن مصر مهمة لجنوب السودان لما اختيرت لإقامة أول سفارة لجنوب السودان بالخارج.
بعد زيارة الرئيس سيلفا كير لإسرائيل هل طلب منك المسئولون المصريون إيضاحات عن هذه الزيارة ؟
المصريون شعروا بشىء ومن حقهم أن يجدوا استفسارات لذلك الشىء، وأنا كلما التقيت مسئولا مصريا أجده يسألنى عن علاقاتنا مع إسرائيل ومياه النيل، وأشياء أخرى عن علاقاتنا بالدول العربية، وهذه أسئلة مشروعة طالما أن النيل هو شريان الحياة لمصر فمن حق مصر أن تستفسر عن أى شىء يتعلق به، وهذا أمر طبيعى، لذلك دائما نؤكد للإخوة المصريين أننا لسنا أعداء لمصر ولا تنتظروا منا عداوة، لأننا كجنوب السودان مرتاحين لعلاقاتنا مع مصر.
معنى ذلك أن علاقاتكم مع إسرائيل ليست موجهه لدولة أخرى؟
لا تستهدف أى دولة، ونحن لو تحدثت عن القضية الفلسطينية فنحن مع إنشاء دولتين تعيشان جنبا إلى جنب فى سلام، وهذه هى رؤيتنا لحل القضية الفلسطينية.
وما تفسيرك لما أعلنته تل أبيب مؤخرا عن اتفاق مع جوبا يتعلق بالمياه ؟
مجرد اتفاق عادى لتنقية المياه المالحة والاستفادة من خبرة إسرائيل فى هذا المجال، هذا الاتفاق لم يتعد ذلك.
هذا اتفاق بسيط لتنقية المياه لأننا نحتاج لمياه شرب نقية، وإسرائيل تقدمت لنا بخبراتها فى هذا المجال، وليس هنالك أى شىء، ويجب على الإعلام المصرى ألا يقحم أى موضوع فى مياه النيل، لأن هذا يدق إسفيناً بين الشعوب.
ما قيل عن الاتفاق مقابل توجيه مياه النيل لإسرائيل ؟
ضحك كثيرا وقال.. إذا كانت هناك مياه من الممكن أن تمشى لإسرائيل فإنها ستكون من خلال مصر وليس جنوب السودان لأنه ليس هناك حدود بيننا وبينهم.. ثم أكمل ضحكته مؤكدا "ليس لدينا حدود مع إسرائيل".
أيعنى هذا أن الاتفاق لا علاقة له بمجرى النيل ؟
الإخوة المصريون موجودون فى أى منطقة بجنوب السودان، فى الجنوب حتى الآن لو أردت عمل أى مشروع متعلق بالمياه يقول لك اذهب للرى المصرى لتحصل على الموافقة.
ما هو موقفكم من اتفاق عنتيبى ؟
نحن مع إجماع الدول الأعضاء فى مبادرة حوض النيل، وإستراتيجيتنا واضحة وهى أن النيل هو ملك للشعوب المطلة على النيل، وأن كل القرارات الخاصة بالنيل لابد أن تتم بالاتفاق بين كل دول الحوض، ونحن لن نضر بمصالح مصر فى الاستفادة من مياه النيل، ونحن نعلم أن النيل يمثل أهمية قصوى لمصر، وبالتالى فإنه فى إطار حرصنا على مصر فإننا لن نضر بهم.
هل يعنى ذلك أنكم لن توقعوا على اتفاق عنتيبى ؟
إذا وافق عليها غالبية الدول فنحن معهم، لأننا لن نأتى بشىء يخالف الإجماع، ونحن لسنا لدينا مصلحة فى استعداء الشعب المصرى.
هل من الممكن أن تستخدم جنوب السودان علاقاتها القوية مع أوغندا وكينيا لحثهم على إعادة النظر فى اتفاق عنتيبى ؟
هذا الموضوع من الصعوبة أن نتحدث فيه، لأن هذا القرار من المفترض أن يوجه للشخص المسئول عن ملف مياه النيل .
نحن صحيح لدينا علاقات ممتازة مع كل دول الجوار ودول حوض النيل بما فيها مصر والسودان، لكن خبرتنا فى مبادرة حوض النيل خبرة غير كافية، فمن السابق لأوانه القفز فى موضوع الإتيان بمبادرات أخرى، لابد فى البداية أن نفهم ما يدور فى المبادرة أولا قبل أن نقوم بطرح مبادرات.
كم عدد الجالية الجنوبية بالقاهرة ؟
عددها كبير ويتزايد كل يوم لأن الجنوبيين يحبون مصر كثيرا، لكن صعب تحديد رقم للجالية، لأننى ليس لدى إحصائية كاملة، لكن فى سبيلى للتحصل على رقم تقريبى لهم، لكن الشىء الواضح أن العدد فى تزايد.
فى الوقت الحالى هناك وفد من إدارة الجوازات بجنوب السودان وصلوا القاهرة لاستخراج جوازات سفر لمواطنى جنوب السودان المتواجدين بمصر، لأن الموجودين جوازاتهم انتهت صلاحيتهم منذ الاستقلال، كما أن السفارة السودانية بالقاهرة رفضت تجديدها باعتبارهم مواطنين أجانب، لذلك الوفد الموجود سيظل لحوالى شهر تقريبا.
سفير جنوب السودان بالقاهرة: الخرطوم تحاول دائما دق إسفين بين جوبا والقاهرة باللعب على وتر مياه النيل.. علاقاتنا بمصر لم تتأثر بصعود الإسلاميين للحكم لأنها ليست مبنية على أشخاص وإنما علاقة شعوب
الأحد، 19 أغسطس 2012 11:08 ص
انثونى كون، سفير دولة جنوب السودان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة