أحزن أشد الحزن كلما تأملت فى المناقشات والصراعات الفرعية التى تشهدها الساحة السياسية المصرية هذه الأيام، وأتساءل فى دهشة ألا يعى هؤلاء الساسة والمثقفون ورؤساء الأحزاب ما قد يحمله المستقبل القريب لمصر ومنطقتها من تحديات جسيمة وخطيرة، بل ومرعبة؟
إن كانوا لا يعون فتلك مصيبة وإن كانوا يعون ولا يبالون فالمصيبة أكبر وأفدح، وسأحاول فى السطور القليلة التالية أن أسلط الضوء على بعض تلك التحديات التى تحتم علينا إعادة صياغة مواقفنا لتكون على مستوى المرحلة التى تشهدها بلادنا الآن، ولنتخذ معدل الزيادة السكانية ومشكلة البطالة مثالاً بسيطًا لذلك ( حيث بلغت معدلات البطالة فى مصر خلال الربع الأول من العام الحالى 12.6% من قوة العمل) وأفترض هنا بقاء الرئيس الحالى فى منصبه لأربع أو خمس سنوات قادمة- كما سيتضمن الدستور المنتظر- إذ يبلغ عدد سكان مصر حاليًا 82 مليون نسمة، ويتوقع أن يتجاوز هذا العدد حاجز الـ90 مليون نسمة بنهاية السنوات الخمس القادمة.
وأتساءل هنا إن كنا سنستمر على هذا النحو فى إهدار وقتنا وطاقاتنا فى مناقشات حول حجم صلاحيات الرئيس وصراعه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل انتزاعه لتلك الصلاحيات المغتصبة – كما يصور فريق من الساسة وفقهاء القانون الدستوري- لدرجة تناسينا معها الملف الاقتصادى بكل تفاصيله وتفريعاته وأهمها مشكلة البطالة وما تمثله من خطورة، فما بآلنا بالوضع الاقتصادى عندما توشك فترة الرئاسة الحالية على الانتهاء وقد أضيفت إلى أعداد البطالة الضخمة الحالية عدة ملايين أخرى.
إلى هذا الحد قد لا تكون المشكلة بالهول الذى أراه أو أتخيله ولكنها بلا شك تبلغه وتتجاوزه إذا ما نظرنا إليها من منظور أوسع على ضوء الأوضاع السياسية التى تمر بها منطقتنا العربية وآثار هذه الصراعات التى من المرجح أن تتسع دائرتها فى المستقبل ولا يمثل ما نراه منها الآن فى رأى إلا مقدمة صغيرة لما ستكون عليه المنطقة فى المستقبل القريب.
الأمر الذى سيحد - بلا شك- من الخيارات الاقتصادية المتاحة أمام صانع السياسات الاقتصادية المصرية( عن طريق الحد من قدرته على الاقتراض أو التمويل من دول المنطقة، توقف تيارات العملة الأجنبية المتدفقة من العمالة المصرية العاملة فى تلك الدول، خسارة أسواق جيدة لتوزيع منتجاتنا، الانعكاسات غير المباشرة لتلك الاضطرابات على الأوضاع الداخلية عمومًا،...الخ) ويحتم عليه إذا ما أراد الإفلات من تلك الأزمات أن يعمد إلى إحالة مشكلة البطالة إلى ثروة قومية يجب الاستفادة منها محليًا فى أسرع وقت ممكن- مع إقرارنا بالمصاعب الكبيرة التى ستحول دون بلوغ ذلك- شأنها شأن باقى مواردنا الاقتصادية التى هى فى أمس الحاجة لإعادة تقييمها بهدف تعظيم استفادتنا منها وفقا لمعايير الكفاءة والفعالية لتلافى الوقوع فى دوامة عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى من جديد.
نستفيد إذن من تلك الإطلالة المحدودة للمستقبل استخلاص عدد من النتائج لما يمكن أن تحمله الأيام القليلة القادمة من متغيرات حبلى بمزيد من المواقف والقرارات المصيرية التى يجب اتخذها ليس بالنسبة لمصر فقط ولكن للمنطقة بأثرها، الأمر الذى يملى علينا ضرورة التنبه لتلك التحديات الخطيرة، وإسراع الخطى وتركيز القوى لضمان تجنب الوقوع فى تلك الأزمات مسبقًا.
لذا أرى أنه من الاوفق فى المرحلة الحالية أن ينأى رئيس الجمهورية بنفسه عن أى صراعات خاصًة ما يتعلق منها بحجم صلاحياته ويصب كل اهتمامه على الملف الاقتصادى الذى يتمتع فيه بسلطة شبه مطلقة، إضافة لكونه أشد ملفات الحالة المصرية حاجة للإصلاح، وذلك للاعتبارات التالية:
- أن الرئيس الحالى إن لم يقدم لمصر فى فترة الرئاسية الحالية سوى انتشاله الاقتصاد المصرى مما يمر به من أزمات يكفيه وزيادة، بل وأكثر من هذا، يعد ذلك أقصر الطرق لضمان إعادة انتخابه مرة ثانية بعيدًا عن مخاطر الصفقات السياسية والتى قد تكون على حساب المصالح العليا للوطن.
- لا أرى أى مبرر للتخوف الذى يبديه البعض من وجود السلطة التشريعية فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لاسيما بعد ما ثبت بالدليل العملى زهده فى السلطة، وتسليمه لها من قبل عندما تم انتخاب مجلس الشعب الذى حكم بعدم دستورية النصوص التى تمت العملية الانتخابية بمقتضاها.
- قصر الفترة التى تستلزم بقاء تلك السلطة فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتأقيتها بوضع دستور جديد للبلاد. وهى فترة يمكن فى حال تعسف المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو فرض بعيد كل البعد عن التحقق- كما يدعى البعض- الاستغناء عن إصدار أى تشريعات جديدة لحين عودة انتخاب مجلس الشعب.
- أن فشل الرئيس الحالى فى المجال الاقتصادى الذى يعد العمود الفقرى لبرنامج النهضة الذى تم انتخابه على أساسه سيفجر العديد من الاعتصامات والتظاهرات من جديد ضد الرئيس وحزبه الذى قد يفسرها على أنها محاولة لإقصائه من جديد، وسيزداد الوضع الاقتصادى والسياسى تأثرًا وتدهورًا، الأمر الذى يستلزم منا أن نحسن اتخاذ قراراتنا بداية.
أرى أخيرًا أن المعركة التى يحاول البعض الزج برئيس الجمهورية لخوضها ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليست هى المعركة التى يتعين عليه خوضها، وإنما يجب عليه أن يناضل من أجل التحرر من أية قيود فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها لأنها هى وحدها التى ستحاول أن تدعم تواجدها على الساحة السياسية بأساليب عديدة أو على الأقل ستلزمه بالقيام بالإصلاح وفقًا لرؤيتها ولأولياتها هى، وفى كلتا الحالتين سيصبح الرئيس فى موقف لا يحسد عليه.
د.عمرو محمد الشناوى يكتب: الاقتصاد يا سيادة الرئيس
الإثنين، 13 أغسطس 2012 08:08 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة