أعاد متحف باردو بتونس العاصمة فتح أبوابه بحلّة جديدة تتّسم بالبساطة والجاذبية لعرض أهمّ المحطات الحضارية الكبرى التى تعاقبت على البلاد التونسية، بعد أن تواصل غلقه أمام الزوّار طيلة ثلاث أعوام لفسح المجال أمام أعمال الترميم.
ويعدّ متحف باردو – بحسب ما ذكرته الجزيرة على موقعها الإلكترونى - من أبرز المتاحف العالمية، ويستمدّ شهرته الواسعة بفضل مجموعة الفسيفساء الاستثنائية المعروضة فيه، والتى تعدّ الأكثر تنوّعا وتفنّنا فى العالم. لكنّها ليست الثروة الوحيدة فى المتحف، فهو يضمّ قطعا أثرية من تماثيل ومنحوتات ومجوهرات ومخطوطات تغوص بالزائرين فى أعماق الماضى، من فترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الإسلامية، ليكون شاهدا على الهوية الثقافية للبلاد.
ويتمتّع متحف باردو ببناية مميّزة تقع ضمن سلسلة من القصور الفخمة التى قام بتشييدها "بايات" تونس كمقرّ لإقامتهم منذ القرن الثامن عشر. وتم تدشينه سنة 1888 خلال فترة حكم العائلة الحسينية وبداية الاستعمار الفرنسى، وذلك تحت اسم "المتحف العلوي"، وهى تسمية وقع استبدالها منذ الاستقلال (عام 1956) باسم المتحف الوطنى بباردو.
وتقول مديرة متحف باردو سمية غرس الله إنّ أشغال التهيئة والتوسعة، التى انطلقت عام 2009، وشملت ترميم الأجنحة القديمة وبناء قاعات إضافية لعرض قطع أثرية جديدة مخبئة بمخازن المتحف، ضاعفت من مساحته لتبلغ 15 ألف متر مربع وجعلته مطابقا لمعايير الحفظ المعاصرة.
وعن خصوصياته، تقول سمية غرس الله للجزيرة نت إنّ أهمّ ما يميّز متحف باردو عن بقية المتاحف العالمية ليس لكونه متحفا أثريا ثريا بقطعه فحسب، وإنما بوصفه "متحفا للحضارات الإنسانية"، لافتة إلى أنه يلقى الضوء على تعاقب الحضارات والديانات السماوية عبر عهود سحيقة.
وأكدت بأنّه يضمّ أكبر مجموعة فسيفساء فى العالم ويحوى قطعا أثرية نادرة تمّ اكتشافها خلال الحفريات بعدّة مواقع تونسية فى القرن 19، وهى تمتدّ من فترة الإنسان البدائى فى عصور ما قبل التاريخ وصولا إلى الفترة القرطاجية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية.
والزائر لمتحف باردو يقف منبهرا أمام أكبر لوحة فسيفسائية رومانية تجسد إله البحار الرومانى "نبتون"، وهو يحمل رمحا ذا ثلاثة أسنان، وهى لوحة ضخمة فى غاية الإبداع، اكتشفت بمدينة سوسة (حضرموت سابقا) فى القرن 19، وتمّ وضعها بطريقة عمودية على حائط ببهو المتحف.
وتنتزع لوحة الشاعر الرومانى المشهور "فرجيل" إعجاب الزائرين لجمالها وسحرها، وهى الفسيفساء الوحيدة التى تجسد هذا الشاعر، بقطع صغيرة من الرخام والكلس وعجين الزجاج، وهو يرتدى حلّة رومانية بيضاء اللون وتحيط به ملهمة التاريخ "كليو" وملهمة الفنّ "ملبومان".
وبقاعات أخرى داخل المتحف تشدّ تماثيل الأباطرة الرومان الأنظار ويشعر الزائر بعظمتهم وعبقرية النحاتين الأوائل، الذين أبدعوا فى نحت أدقّ تفاصيل ملامحهم. ويخيّل إلى الزائر وهو يتفرّج إلى رؤوس الأباطرة وعيونهم الغامضة كأنّ التاريخ عاد به إلى الزمن الغابر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة