«مخالفات المبانى».. خطر يهدد عاصمة مصر الثانية.. 140 أسرة مهددة بالموت فى بلوك بكرموز.. والمحافظ يطالب بتشكيل قوة خاصة من الجيش والشرطة لتنفيذ قرارات الإزالة واعتقال المقاولين
الإثنين، 13 أغسطس 2012 08:57 ص
الإسكندرية - جاكلين منير
«الكاحول».. اسم يعرفه جيدا العاملون فى مجال العقارات «إنشاء وبيعا وتأجيرا» بمدينة الإسكندرية، وهو كلمة السر فى تفشى ظاهرة مخالفات المبانى بها التى دفع ثمنها أرواح عشرات الأبرياء بدءا من كارثة عقار لوران فى 2007 التى راح ضحيتها 36 مواطنا، ووصولا إلى كارثة انهيار برج «الجمرك» قبل أسابيع، والتى راح ضحيتها 20 قتيلا و7 مصابين، حتى أن عدد قرارات الإزالة للعقارات المخالفة، ارتفع بحسب رصد محافظ الإقليم أسامة الفولى - خلال العام ونصف العام الماضى من 12 ألف قرار إلى 30 ألف قرار إزالة، «فى ظل استغلال المقاولين معدومى الضمير لحالة الانفلات الأمنى، وإنشاء عقارات مخالفة، وبعضها تم بناؤه على عقارات صدر لها بالفعل قرارات إزالة».
الرقابة القانونية على سوق العقارات بإلإسكندرية عاصمة مصر الثانية تبدو غائبة تماما أو مغيبة، والأمر لا يقتصر على الأحياء الشعبية أو الفقيرة، وإنما يمتد إلى الأحياء الراقية أيضا، بعد أن ساهمت تجارة المقاولات فى تحقيق مكاسب خيالية وفى فترات قصيرة، لغالبية من يعملون بها، والطريق لذلك سهل، ويبدأ من عند «الكاحول» وهو شخص يملك العقار بصورة وهمية ومهمته التوقيع على عقود بيع الشقق السكنية بالعقار وتحمل مسؤولية جميع المخالفات الصادرة من الحى بشأن العقار، والتى غالبا ما ترسل على عنوان وهمى أيضا باسم «الكاحول» ولا يتم العثور عليه، والمقابل يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه، والقاسم المشترك بين من يقبلون بالقيام بهذا الدور هو «إدمان المخدرات» والرغبة فى توفير الأموال للإنفاق عليها.
المثير للدهشة فى الأمر أن غالبية المشترين يوقعون عقودهم مع «الكاحول» وهم يعلمون أنه شخص «وهمى» ويقومون بدفع المبلغ المالى قيمة الوحدة السكنية للمقاول أو المالك الحقيقى، والمبرر لذلك هو أزمة السكن الطاحنة.
«اليوم السابع» توجهت إلى منطقة غرب الإسكندرية وخاصة فى حى كرموز، حيث أكبر عدد من العقارات الآيلة للسقوط على مستوى المحافظة، وهناك العشرات من قرارات الإزالة صدرت لهذه العقارات ولم يتم تنفيذها، تحت دعوى قلة الإمكانيات لدى أجهزة المحافظة وعدم توفر الشقق السكنية البديلة للمواطنين، وكان الأمر المتعارف عليه خلال السنوات الماضية هو توقيع الساكن على إقرار بالمكوث فى «العين» أو الوحدة السكنية على مسؤوليته الشخصية.
منطقة الطوبجية بكرموز، واحدة من الملفات العالقة والتى تحمل نذير كارثة لا تقل خطورة عن كارثة عقار «الموت» بشارع النصر بالجمرك، حيث حياة 140 أسرة هم سكان بلوك 3 بمنطقة الطوبجية خلف عامود السوارى بكرموز مهددة بسبب ما يتعرض له البلوك من خلل فى الصرف الصحى منذ 6 سنوات، وتسبب الوضع المتردى فى حدوث تصدعات لعمودين من العقار المقام على 120 عامودا، وقد أصدرت الإدارة الهندسية بحى غرب شهادة تفيد بأن العقار المشار إليه صدر له قرار هدم رقم 96 لسنة 2011 بتاريخ 7/8/2011، نظرا لوجود شروخ نافذة بالواجهة وتلف شديد بالأعمدة والكمرات والبلاطات والسلم، كما توجد شروخ نافذة أيضا بالحوائط وتلف شديد بأجهزة ووسائل الصرف المغذية وهبوط بالأرضيات، وحددت اللجنة قرارها بضرورة هدم العقار حتى الأرض لعدم جدوى الترميم وتنفيذ أمر الإخلاء الفورى للسكان.
سكان البلوك قالوا لـ«اليوم السابع» أنهم ناشدوا رئيس حى غرب وهيئة الصرف الصحى لإصلاح شبكة الصرف الصحى بالمنطقة دون جدوى وتقدموا ببلاغ إلى المحامى العام لنيابات غرب الإسكندرية بتاريخ 5 إبريل 2012 والذى تم تحويله إلى قسم كرموز لاتخاذ اللازم، مشيرين إلى أنهم فوجئوا بحى غرب يصدر قرارا بإخلاء البلوك، ونقلهم إلى مساكن المحافظة بمنطقة توشكى ورفضوا استلام قرار تسلم الوحدات المرسل إليهم من المحافظة، مؤكدين أن المنطقة منعدمة الخدمات ونائية وتقع فى مكان على أطراف المدينة وغير آمن على أولادهم وحياتهم ولا يوجد بها مستوصف أو قسم شرطة أو أسواق أو مخابز، موضحين أنهم طلبوا من المحافظ نقلهم إلى مساكن أخرى تكون أقرب لهم، دون استجابة.
من أقصى غرب الإسكندرية إلى أقصى الشرق حيث منطقة أبوقير، والتى تحولت إلى منطقة بناء عشوائى بدون تراخيص وبجميع أشكال المخلفات من الارتفاعات الشاهقة للعقار والتى تصل إلى 20 طابقا فى شارع لا يتعدى عرضه 4 أمتار، ودون إشراف هندسى أو متابعة من الحى على سلامة إنشاء العقار وسلامة حفر الأساس والأعمدة لتحمل الارتفاع الشاهق خاصة أن البناء بمنطقة أبوقير يتم على مقربة كبيرة جدا من البحر ووجود كميات كبيرة من المياه تحت التربة وأحيانا يتم البناء على شاطئ البحر وعلى بعد أمتار من الأمواج المتلاحقة على الرمال.
الأمر لا يختلف كثيرا فى منطقة محرم بك والتى تحولت بدورها لمنطقة عمل يغزوها تجار المقاولات والذين قاموا بالسيطرة على المنطقة، وهدم المنازل القديمة وبناء منازل جديدة بارتفاعات شاهقة فى شوارع ضيقة مستغلين فترة الانفلات الأمنى أثناء وعقب ثورة 25 يناير، أما فى حى المنتزه وهو الأشهر فى مخالفات البناء، فقد شهدت منطقة سيدى بشر والمندرة بها بناء المئات من العقارات المخالفة بالإضافة إلى التعليات على بعض العقارات القديمة والمكونة من 4 إلى 5 طوابق لتصل إلى 14 - 15 طابقا.
ومن المناطق الشعبية والعشوائية إلى المناطق الراقية بالإسكندرية، حيث منطقة «وابور المياه» وهى من أرقى المناطق بوسط الإسكندرية وأكثرها ارتفاعا فى الأسعار، ويصل سعر المتر فيها إلى 8 آلاف جنيه، وقد أخذت من المخالفات نصيبا وافرا، فالأمر لا يقتصر فقط على الارتفاع الشاهق للمبانى والمخالف للقانون والذى يسمح بالارتفاع بأربعة أضعاف عرض الشارع فقط، وإنما تمتد المخالفات إلى عدم احترام مسافة الشارع أو المسافة المحددة بالقانون بمسافة متر بين العقار والآخر، ومن المشاهد اللافتة بناء عقار على مسافة نصف متر من شرفات العقار المجاور له.
أحد مقاولى العقارات - والذى رفض ذكر اسمه - كشف لـ«اليوم السابع» عن أن ظاهرة تقديم «الرشاوى» للمسؤولين من أجل تسهيل بناء العقارات المخالفة موجودة منذ سنوات طويلة بالمحافظات، وأن هذه المخالفات لا ترتبط فقط بفترة الانفلات الأمنى فيما بعد الثورة، موضحا أن الرشاوى كانت تتنوع ما بين مبالغ مالية وشقق سكنية وهدايا عينية.
ويبرر المقاول لجوء العاملين بمجال العقارات للمخالفات بسبب ما يصفه بـ«إجحاف القانون» الذى لا يسمح بالارتفاع إلا بأربعة أضعاف الشارع فقط، «الأمر الذى قد يعرض المقاول للخسائر المالية الكبيرة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت وأدوات البناء، وما يتكلفه العقار من تكاليف باهظة للالتزام بالمقاييس الصحيحة للبناء السليم»، مضيفا أن المقاولين وأصحاب العقارات يلجأون إلى زيادة الارتفاعات لتعويض تلك الخسارة المالية بطوابق إضافية، مستنكرا ما وصفه بتحويل بعض التجار «حديثى العهد بعالم المقاولات» الأمر إلى «تجارة غير شريفة».
الدكتور عمر السباخى - الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية ورئيس جمعية أنصار حقوق الإنسان - يؤكد أن السبب الأول وراء تفشى ظاهرة المبانى المخالفة هو تقاعس الدولة عن تطبيق القانون، مطالبا بتطبيق الحلول الجذرية من خلال منع وصول المرافق من «مياه وكهرباء وغاز طبيعى» إلى المبانى المخالفة، مستنكرا لجوء الشركات القابضة إلى التسوية مع تلك المبانى المخالفة بدفع الغرامات والتى يعتبرها رؤساء تلك الشركات زيادة لمواردها دون الاهتمام بالكوارث التى قد تترتب على ذلك.
ويؤكد «السباخى» أن كارثة تلك التعليات المخالفة بدأت فى عهد المحافظ الأسبق للإسكندرية اللواء عبدالسلام المحجوب، حيث كانت أجهزة المحافظة تسعى لإرضاء رجال الأعمال المسيطرين على سوق العقارات بها، مقابل تجميل كورنيش الإسكندرية، فيما يطالب الدكتور محمد محفوظ - منسق مساعد ائتلاف ضباط لكن شرفاء ورئيس قسم العلاقات العامة بمديرية أمن الإسكندرية سابقا - النيابة العامة بأن تمد دائرة المسؤولية عن العقارات المخالفة إلى جميع الجهات التى تقاعست عن القيام بواجبها فى تنفيذ قرارات الإزالة بحق العقارات المخالفة، ومن هؤلاء مسؤولو الأحياء والشرطة.
ويوضح أنه فى أعقاب ثورة 25 يناير وفى ظل العلاقة المتوترة بين الشعب والشرطة، تخاذل بعض الضباط عن الاستجابة لإخطارات الأحياء، كما تخاذلت القيادات الأمنية عن معاقبة هؤلاء الضباط، مطالبا بوسائل رادعة لمثل هؤلاء الضباط المتخاذلين وتحويلهم إلى التحقيق والدخول كمتهمين فى أى قضية بها خسائر بشرية أو غير بشرية.
أما محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى فيؤكد على ضرورة إصدار تشريع عاجل يسمح باعتقال فورى ومباشر لكل من يقوم بهدم أو بناء مبنى بدون ترخيص، على أن يحال إلى المحاكمة السريعة وإنهاء إجراءات التحقيق بشكل سريع، مع معاقبة واعتقال كل من له علاقة بالعقار حتى لو كان من العمال، للقضاء على تلك الظاهرة التى تؤدى إلى كوارث حقيقية.
ويطالب الفولى بتشكيل قوة متخصصة من الجيش والشرطة تعمل فقط للتصدى للمبانى المخالفة وإزالتها بالقوة بالتنسيق مع المحافظة والحى المختص، لإزالة جميع الأبنية ذات الخطر الداهم على أرواح المواطنين، مشيراً إلى أن موظفى ومهندسى الأحياء لا يستطيعون العمل بمفردهم فى ظل ما وصفه بـ«الإجرام الكبير والاستعانة بالبلطجية والكلاب المسعورة والأسلحة من المقاولين غير الشرفاء ومعدومى الضمير».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«الكاحول».. اسم يعرفه جيدا العاملون فى مجال العقارات «إنشاء وبيعا وتأجيرا» بمدينة الإسكندرية، وهو كلمة السر فى تفشى ظاهرة مخالفات المبانى بها التى دفع ثمنها أرواح عشرات الأبرياء بدءا من كارثة عقار لوران فى 2007 التى راح ضحيتها 36 مواطنا، ووصولا إلى كارثة انهيار برج «الجمرك» قبل أسابيع، والتى راح ضحيتها 20 قتيلا و7 مصابين، حتى أن عدد قرارات الإزالة للعقارات المخالفة، ارتفع بحسب رصد محافظ الإقليم أسامة الفولى - خلال العام ونصف العام الماضى من 12 ألف قرار إلى 30 ألف قرار إزالة، «فى ظل استغلال المقاولين معدومى الضمير لحالة الانفلات الأمنى، وإنشاء عقارات مخالفة، وبعضها تم بناؤه على عقارات صدر لها بالفعل قرارات إزالة».
الرقابة القانونية على سوق العقارات بإلإسكندرية عاصمة مصر الثانية تبدو غائبة تماما أو مغيبة، والأمر لا يقتصر على الأحياء الشعبية أو الفقيرة، وإنما يمتد إلى الأحياء الراقية أيضا، بعد أن ساهمت تجارة المقاولات فى تحقيق مكاسب خيالية وفى فترات قصيرة، لغالبية من يعملون بها، والطريق لذلك سهل، ويبدأ من عند «الكاحول» وهو شخص يملك العقار بصورة وهمية ومهمته التوقيع على عقود بيع الشقق السكنية بالعقار وتحمل مسؤولية جميع المخالفات الصادرة من الحى بشأن العقار، والتى غالبا ما ترسل على عنوان وهمى أيضا باسم «الكاحول» ولا يتم العثور عليه، والمقابل يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه، والقاسم المشترك بين من يقبلون بالقيام بهذا الدور هو «إدمان المخدرات» والرغبة فى توفير الأموال للإنفاق عليها.
المثير للدهشة فى الأمر أن غالبية المشترين يوقعون عقودهم مع «الكاحول» وهم يعلمون أنه شخص «وهمى» ويقومون بدفع المبلغ المالى قيمة الوحدة السكنية للمقاول أو المالك الحقيقى، والمبرر لذلك هو أزمة السكن الطاحنة.
«اليوم السابع» توجهت إلى منطقة غرب الإسكندرية وخاصة فى حى كرموز، حيث أكبر عدد من العقارات الآيلة للسقوط على مستوى المحافظة، وهناك العشرات من قرارات الإزالة صدرت لهذه العقارات ولم يتم تنفيذها، تحت دعوى قلة الإمكانيات لدى أجهزة المحافظة وعدم توفر الشقق السكنية البديلة للمواطنين، وكان الأمر المتعارف عليه خلال السنوات الماضية هو توقيع الساكن على إقرار بالمكوث فى «العين» أو الوحدة السكنية على مسؤوليته الشخصية.
منطقة الطوبجية بكرموز، واحدة من الملفات العالقة والتى تحمل نذير كارثة لا تقل خطورة عن كارثة عقار «الموت» بشارع النصر بالجمرك، حيث حياة 140 أسرة هم سكان بلوك 3 بمنطقة الطوبجية خلف عامود السوارى بكرموز مهددة بسبب ما يتعرض له البلوك من خلل فى الصرف الصحى منذ 6 سنوات، وتسبب الوضع المتردى فى حدوث تصدعات لعمودين من العقار المقام على 120 عامودا، وقد أصدرت الإدارة الهندسية بحى غرب شهادة تفيد بأن العقار المشار إليه صدر له قرار هدم رقم 96 لسنة 2011 بتاريخ 7/8/2011، نظرا لوجود شروخ نافذة بالواجهة وتلف شديد بالأعمدة والكمرات والبلاطات والسلم، كما توجد شروخ نافذة أيضا بالحوائط وتلف شديد بأجهزة ووسائل الصرف المغذية وهبوط بالأرضيات، وحددت اللجنة قرارها بضرورة هدم العقار حتى الأرض لعدم جدوى الترميم وتنفيذ أمر الإخلاء الفورى للسكان.
سكان البلوك قالوا لـ«اليوم السابع» أنهم ناشدوا رئيس حى غرب وهيئة الصرف الصحى لإصلاح شبكة الصرف الصحى بالمنطقة دون جدوى وتقدموا ببلاغ إلى المحامى العام لنيابات غرب الإسكندرية بتاريخ 5 إبريل 2012 والذى تم تحويله إلى قسم كرموز لاتخاذ اللازم، مشيرين إلى أنهم فوجئوا بحى غرب يصدر قرارا بإخلاء البلوك، ونقلهم إلى مساكن المحافظة بمنطقة توشكى ورفضوا استلام قرار تسلم الوحدات المرسل إليهم من المحافظة، مؤكدين أن المنطقة منعدمة الخدمات ونائية وتقع فى مكان على أطراف المدينة وغير آمن على أولادهم وحياتهم ولا يوجد بها مستوصف أو قسم شرطة أو أسواق أو مخابز، موضحين أنهم طلبوا من المحافظ نقلهم إلى مساكن أخرى تكون أقرب لهم، دون استجابة.
من أقصى غرب الإسكندرية إلى أقصى الشرق حيث منطقة أبوقير، والتى تحولت إلى منطقة بناء عشوائى بدون تراخيص وبجميع أشكال المخلفات من الارتفاعات الشاهقة للعقار والتى تصل إلى 20 طابقا فى شارع لا يتعدى عرضه 4 أمتار، ودون إشراف هندسى أو متابعة من الحى على سلامة إنشاء العقار وسلامة حفر الأساس والأعمدة لتحمل الارتفاع الشاهق خاصة أن البناء بمنطقة أبوقير يتم على مقربة كبيرة جدا من البحر ووجود كميات كبيرة من المياه تحت التربة وأحيانا يتم البناء على شاطئ البحر وعلى بعد أمتار من الأمواج المتلاحقة على الرمال.
الأمر لا يختلف كثيرا فى منطقة محرم بك والتى تحولت بدورها لمنطقة عمل يغزوها تجار المقاولات والذين قاموا بالسيطرة على المنطقة، وهدم المنازل القديمة وبناء منازل جديدة بارتفاعات شاهقة فى شوارع ضيقة مستغلين فترة الانفلات الأمنى أثناء وعقب ثورة 25 يناير، أما فى حى المنتزه وهو الأشهر فى مخالفات البناء، فقد شهدت منطقة سيدى بشر والمندرة بها بناء المئات من العقارات المخالفة بالإضافة إلى التعليات على بعض العقارات القديمة والمكونة من 4 إلى 5 طوابق لتصل إلى 14 - 15 طابقا.
ومن المناطق الشعبية والعشوائية إلى المناطق الراقية بالإسكندرية، حيث منطقة «وابور المياه» وهى من أرقى المناطق بوسط الإسكندرية وأكثرها ارتفاعا فى الأسعار، ويصل سعر المتر فيها إلى 8 آلاف جنيه، وقد أخذت من المخالفات نصيبا وافرا، فالأمر لا يقتصر فقط على الارتفاع الشاهق للمبانى والمخالف للقانون والذى يسمح بالارتفاع بأربعة أضعاف عرض الشارع فقط، وإنما تمتد المخالفات إلى عدم احترام مسافة الشارع أو المسافة المحددة بالقانون بمسافة متر بين العقار والآخر، ومن المشاهد اللافتة بناء عقار على مسافة نصف متر من شرفات العقار المجاور له.
أحد مقاولى العقارات - والذى رفض ذكر اسمه - كشف لـ«اليوم السابع» عن أن ظاهرة تقديم «الرشاوى» للمسؤولين من أجل تسهيل بناء العقارات المخالفة موجودة منذ سنوات طويلة بالمحافظات، وأن هذه المخالفات لا ترتبط فقط بفترة الانفلات الأمنى فيما بعد الثورة، موضحا أن الرشاوى كانت تتنوع ما بين مبالغ مالية وشقق سكنية وهدايا عينية.
ويبرر المقاول لجوء العاملين بمجال العقارات للمخالفات بسبب ما يصفه بـ«إجحاف القانون» الذى لا يسمح بالارتفاع إلا بأربعة أضعاف الشارع فقط، «الأمر الذى قد يعرض المقاول للخسائر المالية الكبيرة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت وأدوات البناء، وما يتكلفه العقار من تكاليف باهظة للالتزام بالمقاييس الصحيحة للبناء السليم»، مضيفا أن المقاولين وأصحاب العقارات يلجأون إلى زيادة الارتفاعات لتعويض تلك الخسارة المالية بطوابق إضافية، مستنكرا ما وصفه بتحويل بعض التجار «حديثى العهد بعالم المقاولات» الأمر إلى «تجارة غير شريفة».
الدكتور عمر السباخى - الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية ورئيس جمعية أنصار حقوق الإنسان - يؤكد أن السبب الأول وراء تفشى ظاهرة المبانى المخالفة هو تقاعس الدولة عن تطبيق القانون، مطالبا بتطبيق الحلول الجذرية من خلال منع وصول المرافق من «مياه وكهرباء وغاز طبيعى» إلى المبانى المخالفة، مستنكرا لجوء الشركات القابضة إلى التسوية مع تلك المبانى المخالفة بدفع الغرامات والتى يعتبرها رؤساء تلك الشركات زيادة لمواردها دون الاهتمام بالكوارث التى قد تترتب على ذلك.
ويؤكد «السباخى» أن كارثة تلك التعليات المخالفة بدأت فى عهد المحافظ الأسبق للإسكندرية اللواء عبدالسلام المحجوب، حيث كانت أجهزة المحافظة تسعى لإرضاء رجال الأعمال المسيطرين على سوق العقارات بها، مقابل تجميل كورنيش الإسكندرية، فيما يطالب الدكتور محمد محفوظ - منسق مساعد ائتلاف ضباط لكن شرفاء ورئيس قسم العلاقات العامة بمديرية أمن الإسكندرية سابقا - النيابة العامة بأن تمد دائرة المسؤولية عن العقارات المخالفة إلى جميع الجهات التى تقاعست عن القيام بواجبها فى تنفيذ قرارات الإزالة بحق العقارات المخالفة، ومن هؤلاء مسؤولو الأحياء والشرطة.
ويوضح أنه فى أعقاب ثورة 25 يناير وفى ظل العلاقة المتوترة بين الشعب والشرطة، تخاذل بعض الضباط عن الاستجابة لإخطارات الأحياء، كما تخاذلت القيادات الأمنية عن معاقبة هؤلاء الضباط، مطالبا بوسائل رادعة لمثل هؤلاء الضباط المتخاذلين وتحويلهم إلى التحقيق والدخول كمتهمين فى أى قضية بها خسائر بشرية أو غير بشرية.
أما محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى فيؤكد على ضرورة إصدار تشريع عاجل يسمح باعتقال فورى ومباشر لكل من يقوم بهدم أو بناء مبنى بدون ترخيص، على أن يحال إلى المحاكمة السريعة وإنهاء إجراءات التحقيق بشكل سريع، مع معاقبة واعتقال كل من له علاقة بالعقار حتى لو كان من العمال، للقضاء على تلك الظاهرة التى تؤدى إلى كوارث حقيقية.
ويطالب الفولى بتشكيل قوة متخصصة من الجيش والشرطة تعمل فقط للتصدى للمبانى المخالفة وإزالتها بالقوة بالتنسيق مع المحافظة والحى المختص، لإزالة جميع الأبنية ذات الخطر الداهم على أرواح المواطنين، مشيراً إلى أن موظفى ومهندسى الأحياء لا يستطيعون العمل بمفردهم فى ظل ما وصفه بـ«الإجرام الكبير والاستعانة بالبلطجية والكلاب المسعورة والأسلحة من المقاولين غير الشرفاء ومعدومى الضمير».
مشاركة