استعدنا سيناء بالكامل منذ ثلاثين عاماً، وحتى الآن فإن شبه الجزيرة التى تربط مصر بالمشرق العربى، وتربطنا بقارة آسيا، لم تزل مجرد ملف أمنى، يتوزع بين أكثر من جهة وجهاز، ولا غضاضة فى أن يكون البعد الأمنى حاضرا فى منطقة مثل سيناء، هى فى النهاية منطقة حدودية وهى مطمع لأحلام الآخرين، لكن ليس بالأمن وحده تقوم الحياة وتستمر، وفى سيناء مقومات كثيرة لحياة ناهضة، وتنمية ضخمة، ولم نقم بذلك إلى اليوم، اكتفينا فقط بمجموعة من القرى السياحية على شاطئ البحر الأحمر، ومجموعة من الأراضى حولها تم تخصيصها لأصحاب الحظوة وتم تسقيعها للمضاربة فى سعرها، فى سيناء مناطق تصلح للزراعة وفى باطنها الكثير من المعادن وبها أماكن سياحية يمكن أن تجذب الملايين وليس بضعة آلاف، وفوق ذلك فإن موقع سيناء يمكن أن يجعلها منطقة تجارية عالمية، هى تتماس مع الأردن ومع فلسطين ومع المملكة العربية السعودية، يمكن أن تكون منطقة حرة بالمعنى الحقيقى، خاصة أنها تطل على شريان بحرى مهم، قناة السويس والبحر الأحمر.. وهذا يؤهلها للكثير، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث إلى اليوم.
حين كان الرئيس السادات يستعد لاستعادة سيناء، كانت لديه أحلام عريضة، ولم تؤخذ بجدية وقتها من خصومه السياسيين، ذات مرة خرج علينا بفكرة مجمع الأديان فى منطقة سانت كاترين، ولم تتحقق الفكرة إلى اليوم، رغم أن مقوماته موجودة، من يصدق أن داخل دير سانت كاترين يوجد مسجد للصلاة، أقيم فى العصر الفاطمى، ليصلى فيه الخليفة حين يكون فى طريقه إلى الحج.. وهناك عدة أضرحة لشخصيات صوفية عظيمة، وفوق ذلك كله يوجد جبل الطور حيث تجلى الله لنبيه موسى، طريق الحج التقليدى نفسه يمكن إحياؤه وتجديده ليكون مزاراً وتقام حوله مجمعات سكنية جديدة.
ومن أحلام السادات توطين مليون مواطن هناك، كان ذلك سنة 1980، ولم يتحقق ذلك أيضاً.. وتركنا سيناء للمهربين وتجار السلاح وجماعات التشدد، لا نحن عمرناها ولا قدمنا مساعدات حقيقية لأبناء سيناء ليقوموا بذلك.. يكن أن تقام محطات تحلية المياه على البحر الأحمر لتعمر سيناء بالمياه لمختلف مناحى الحياة، ويمكن أن نستعين بالهندسة الوراثية لزراعة نباتات ومحاصيل بها، من تلك التى يمكن أن تنمو بالمياه المالحة.
المشكلة أننا لم ننظر إلى سيناء إلا بعين الأمن الضيقة جدا وأكاد أقول الغبية أيضاً، ذلك أن أقوى أمن وتأمين هو وجود موجات بشرية ترتبط حياتها وسعادتها ومصيرها بالمكان.. ساعتها سوف يكون من الصعب على أى مغامر أو ناهب ومحتل أن يقتلع هؤلاء البشر من أماكنهم وموطنهم.
حين بدأ د. محمد مرسى جولاته الانتخابية للرئاسة بدأ بسيناء وقدم الكثير من الوعود يومها، تحدث عن 20 مليار جنيه للتنمية وعن وعن.. والآن فإن الرئيس مطالب بإعمال وتحقيق تلك الوعود.
طوال عقود ونحن نشكو اختفاء المشروع القومى الذى نلتف حوله جميعا حكومة ومعارضة، مشروع يستخرج الطاقات الهائلة داخل هذا الوطن، وسيناء يمكن أن تكون ذلك المشروع، الذى نعمل عليه لمدة عقد من الزمن، بخطوات واضحة ومحددة وأهداف كبيرة معلنة، كل ما نحتاجه الخيال والإرادة السياسية، وهما ما نفتقده، فى أكثر من عشر سنوات حفر المصريون قناة السويس، رغم بدائية الأدوات والعمل، وقسوة الظروف ونظم العمل والإدارة وفى حوالى سبع سنوات بنينا السد العالى، قد تكون له بعض السلبيات، لكنه عمل إيجابيات هائلة، واليوم يمكن لسيناء أن تكون مشروعنا القومى والوطنى، ويمكن لها أن تستوعب أكثر من عشرة ملايين مواطن ومواطنة، وتحتمل بناء عشرات المدن الجديدة، شمالا وجنوبا لكننا بالفعل نهمل سيناء، ولم تصبح بعد جزءا من همنا العام وشاغلنا الذى يجب أن نتوقف عنده، نحن لا نتذكر سيناء إلا حين تقع فيها عملية إجرامية، ولا ندرك أهميتها إلا مع ظهور البؤر التكفيرية. سيناء أكبر من ذلك يا سادة، إنها بوابتنا نحو العالم ونحو المستقبل أيضاً.
سيناء أكبر من أن تكون مجرد ملف أمنى وأعز من أن تصبح مسرحا لمجموعة من المجرمين، سيناء هى المشروع القومى والوطنى لمن يريد أن يدخل التاريخ كزعيم ومؤسس من مؤسسى مصر المعاصرة.