الشهداء يُحملون على الأعناق تسبقهم أرواحهم إلى السماء.. لا حاجة لهم إلى كفن يُرمم ذاك الجسد المُتهالك ليواريه التراب.. وكيف يُرَمَّمُ جسدٌ لم يشِخْ بعد؟!! بل كيف يُدفن من لم يُكمل شبابه بعد، من تجاوز طفولته بسنوات تُعد على الكف؟!!
منذ أيام كُنا نُتابع فاجعة أبناء دهشور من قتل، وتهجير أهليها للقرى المجاورة لها دون حق!! وبأى حق يُفرق دمُ المصرى ما بين مسيحى ومسلم.. أولسنا كُلنا مصريين لنا نفس العِرض ونفس المنبت والأرض؟!! أخبرونى: أى عقل ذاك الذى يُسمى أخاه بدينه؟!! أى عقل ذاك الذى يسفك دم أخيه لدينه؟!! وأى إعلام هذا الذى يشعل النار بدلاً من تهدئة الوضع، ويكسره ولا يُعينه؟!!
ما هى إلا أيام ثُم جاء خبر استشهاد ضباط وجنود مصريين وإصابة بعضهم فى الحدود على يد مُلثمين مجهولى الهوية! كالصاعقة التى أفاقتنا من زهو احتفالاتنا بذكرى نصر أكتوبر منذ بضعة أيام مضت!! وأفاقتنا من وهم "ناجى عطاالله" وفرقته الخارقة!! عكفت طوال الـ 24 ساعة الماضية أبحث عن جميع المعلومات والصور المتعلقة بهؤلاء الشهداء من أبناء دهشور، وكذلك الذين قتلوا غدرًا على حدودنا.. أعمارهم تحت الـ 25 عامًا!! لهم أهل وأحباء!! كما كانت لهم حياة أيضًا!! عزائى الوحيد لهم استشهادهم فى تلك الأيام المباركة.. وأنهم عند ربهم على قاتليهم أشهاد، بل أشهاد على كل من فرط فى استعادة حقوقهم والقصاص لأجلهم.
بلا كفن.. بل الكفن لمن اختبأ خلف لثام - قناع - ليرتكب جرمًا هو عند الله عظيم - سلب روح إنسان – مذموم، بل حرامٌ فى كل الأديان.
الكفن لمن أزهق تلك الأرواح الطاهرة بغير حق.. الكفن لمن هان عليه الدم المصرى وفرق بين مسيحى ومسلم.. وأشعل بينهم نار الفتنة.. الكفن لكل من آمن، بل استمات على تحقيق التطبيع مع بنى صهيون.. الكفن لمن يحاول إقناعنا بأن هناك أيديًا عربية مُلطخة بدمائهم ولو حتى عن غير قصد!!
بل الكفن لنا نحن – كل مصرى – ترك جذور الفتنة وثأر باسم دينه من أخيه!! شكك فى مصداقية تسميتهم شهداء من عدمها!! أو جلس يتباحث مع أقرانه فى مُلابسات الحدث، واكتفى بإسكاب دمعتين وهو يقرأ لهم الفاتحة وقام بتغيير صورة بروفايل صفحته بالفيس بوك حدادًا عليهم!!
عزاؤنا لمن استشهدوا وكانت عيونهم وقلوبهم تحرس تراب ذاك الوطن – مصر – أنهم ككل شهيد راح منذ ثورتنا، بل مثل أى شهيد راح فى حرب أكتوبر 1973.
ولكن أخبرونى: أى عزاء يُقبل لمن راح بسبب فتنة وقُتل على يدى أخيه؟!! هو عند ربه شهيد، ولكن لمن القصاص؟ لكليهما أم لأحدهما دون الآخر؟!!
ولستُ أقصد هنا إعلان الحرب أو ما شابه ذلك من فعل أهوج لا يتناسب مع ظروف بلدنا الآن.. تلك اليد الآثمة التى فعلت هذا فى الأولى فتنة كمحاولة خبيثة لزعزعة وحدة أبناء مصر!! أما الثانية ففتنة أكبر، وعلى نطاق أوسع، شمل الدم العربى. نعم هى تعبير واضح عن غضبهم لانتهاء عهد سياسة التطبيع البائد الذى زاولته رموز النظام السابق!! بل عن خوفهم من تلك الوحدة التى باتت تربط بين كل شبرٍعربى منذ بداية ثورات الربيع العربى، وهى مع كل يوم تزداد قوة وتتشعب وتترابط.
لذا لن نُجترَّ لفعل أهوج أو حرب غير محسوبة العواقب، ولن نعطيهم الفرصة لاستغلال الوضع لصالحهم، ولن نُفرط فى حق دم أى شهيد مصرى، كما لن نسمح بإهدار المزيد!!
الحل هو حفاظنا على وحدتنا واجتماعنا على يد رجل واحد للنهوض بمصر وعبور بوابة التقدم والتنمية.. لينهض ذاك الوطن بجميع أفراده ليس به ذليل، ليس به جائع، أو محروم، ليس به فتنة بين مسلم أو مسيحى.. ليس مُلطخًا بدماء أبرياء مسكوت عن حقهم.. وحدتنا وطن عربى كبير مترابط ليس به شبر مسلوب أو مُحتل.. وطن كبير شامخ قوى مُتماسك البنيان الداخلى والخارجى.. بأبنائه قادر على صد ووقف أى عدوان مُفاجئ.. وذاك هو القصاص.
صورة أرشيفية