بكل الأسى أكتب عن أحداث رفح وأحتسب مع كل المصريين من ماتوا فى تلك الأحداث من الشهداء الأبرار، قد لا يكون هذا الحادث هو الأول من تلك الحوادث التى تستهدف أمن مصر واستقرارها، لكن ربما يكون الأول بهذه القسوة فى هذه الأيام المباركة وبالتزامن مع ساعة الإفطار، ويخلف هذا العدد من الضحايا والمصابين خصوصا وأنه يأتى فى لحظات دقيقة تمر بها مصر الآن، فتقريبا منذ العام 2005 وتشهد مصر أحداثًا تستهدف ضرب الاستقرار المصرى فى سيناء والسياحة المصرية، لكن على ما يبدو ما من تغييرات جذرية قد حدثت فى الإستراتيجية الأمنية التى يتم اتباعها لتأمين تلك البقعة الغالية من أرض مصر (سيناء)، تلك التى استردها الآباء والأجداد بالدماء فى حرب من أعظم حروب التاريخ فى السادس من أكتوبر 1973.
مصر الرسمية تعلن الحداد، قادتها فى اجتماعات ومشاورات وزيارات ميدانية لموقع الحدث والمصابين، فضائياتها الحكومية والخاصة تضع خطاً أسود أعلى الشاشة معلنة عن حزنها، لكن غالبيتها مازالت تبث ما تبثه من أغانى ورقص ومسلسلات، فهو حداد رمزى على ما يبدو، تعج البرامج والنشرات الإخبارية بالمحللين الذين يتقمص بعضهم شخصية "شارلوك هولمز" متحدثاً عن واقعة سمع عنها فى نشرة سابقة أو قرأ عنها فى جريدة الأمس، يلقى بالاتهامات نحو هذا أو ذاك دون أن يسبق كلامه بأن هذا مجرد اعتقاد شخصى أو تخمين وليس أكثر من ذلك، أما مصر الشعبية فهى حزينة على خيرة شبابها الذين فقدوا أرواحهم من أجل هذا الوطن، وبين مصر الرسمية والشعبية تكمن صراعات تستغلها بعض القوى السياسية لتحقيق مكاسب قذرة فى ظل الأحداث، فهذا يتهم ذلك، وذاك يخون هذا، حتى الجنازة لم تسلم من أفعال مرتزقة فلول النظام البائد سواء بالاعتداء على بعض الرموز الوطنية أو حتى التعدى على موكب رئيس الوزراء.
إذن تمّ الحداد المتواضع، وتنتظر أسر الشهداء التكريم الدنيوى من الدولة، لكن ماذا بعد ذلك ؟!، ألم يحن الوقت بعد لتفعيل دور الدولة فى سيناء من خلال مشروعات قومية كبرى واستثمارات حقيقية يواكبها مشروعات خدمية سواء لأهل سيناء من البدو أو للملايين من الشباب التى يستوجب على الدولة دفعهم نحو سيناء للعيش فيها وتوطينهم هناك؟!، ألم يحن الوقت لفرض سيطرة أمنية حقيقية على كل شبر من أرض الوطن ـ وليس سيناء فقط ـ أم أن الأمن مازال يشعر بالكسوف والحرج من النزول إلى الشوارع لتأمين البلاد؟!، لقد حان الوقت لمصر بأن تعيد النظر فى معاهدة السلام مع الكيان الصهيونى بما يسمح لها بفرض الأمن على الأرض المصرية، الأمر لم يعد يحتمل انتظار وقوع أحداث مماثلة فى المستقبل ثم نتحدث عن ملاحقات للجناة، وسواء تم ضبطهم أو لا، فإن الأمور ما تلبث أن تعود لتهدأ مما يعطى فرصة لجرائم أخرى جديدة، حان الوقت للتعامل بحزم مع كل خارج عن القانون مع ضرورة تحقيق العدالة للجميع، ويواكب ذلك تطهيرا للفساد وتجفيف لمنابعه فى أجهزة الدولة المختلفة وعلى كل المستويات.
لكن إلى أن يتحقق كل ذلك.. من يجب محاسبته الآن عن أرواح الجنود التى راحت ودماء المصابين التى سالت؟
