محمد فهيم

يوم فى قصر العينى

الجمعة، 10 أغسطس 2012 11:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سمعت وقرأت كثيرًا عن أولئك البلطجية الذين يقتحمون المستشفيات العامة ويهددون الأطباء وملائكة الرحمة، ويحرمون المرضى من خدمات تقدم لهم بكل عناية ورفق وحب وود، حتى أحب المرضى المستشفيات الحكومية واصطحبوا أهليهم وأصدقاءهم ليقيموا معهم وينعموا بما ينعمون!

ولكنى لم أسمع ولم أقرأ مطلقًا عن ملائكة الرحمة كيف أصبحن بلا رحمة، وكيف صار أصحاب قسم بوقراط ذوو البالطو الأبيض والأسنان البيضاء والابتسامة العريضة والوجوه البشوشة أشباح بشر.

كدت - أعزائى القراء - أتحول أنا أيضًا إلى بلطجى من الذين سمعنا عنهم وأهدد أمن السادة الأطباء وأقلق راحتهم وأبعدهم عن التكييف وأزعجهم بصوتى المقزز، وكدت أزعق بأعلى صوتى قائلاً: "فين الرحمة يا بشر؟ فين الضمير يا ناس؟".

والحكاية تتلخص فى عملية جراحية لمريضة فى عمر الزهور، دارت فى دهاليز قصر العينى شهورًا حتى كلَّت من التعب بين التحاليل والأشعة والورق، حتى حصلت على ميعاد للعملية، وتم حجزها فى حجرة غير آدمية، وجاء يوم العملية، ومورست عليها أقسى أنواع التعذيب، فكل لحظة يدخل عليها ممرض ثم عامل ثم ممرضة ثم عاملة نظافة، والكل يتحدث معها عن العملية، وكأنهم خبراء فى الطب من ألمانيا البلد "اللى كانت بتعالج مبارك"، والهدف طبعًا هو حلب الناقة، ولم الغلة والحصول على الأُبيِّج، فكل من يدخل يثير الفتاة المسكينة بكلامه عن الطبيب الجراح والبنج اللى بيخدر كويس وحجرة العمليات المكيفة، ولا يخرج إلا بعدما يقبض المعلوم ويحلى بُقه وكأنه فى فرح.

وحان وقت التحرك نحو العملية، لم أرَ طبيبًا واحدًا ولا ممرضة واحدة، وكل ما حولنا مجرد عمال، منهم عمال نظافة يكتبون البيانات ويسجلون فى الدفاتر ويتحدثون بلغة الأطباء، حتى دخلت المسكينة حجرة العمليات المكيفة، وكلما سألنا عنها قالوا: كله تمام. وبعد 4 ساعات كاملة من الانتظار المميت خرج لنا العامل ليقول: المريضة خارجة الآن. تخيلت أن العملية انتهت، ولكنها خرجت وتكاد تسقط على الأرض مغشيًّا عليها، وعندما سألناها قالت: إن الدكتورة اعتذرت وروَّحت ولم تكمل جدول العمليات، والدكتور التانى اعتذر بدون أسباب.

وحكت لنا كيف قضت 4 ساعات فى حجرة الإفاقة، وكيف تجمع المرضى ذكورًا وإناثًا فى الحجرة نفسها، ينتظرون الذبح على يد الجزارين، وكلما انتهوا من مريض وضعوه معها، لتسمع أنينًا وصراخًا وعويلاً وآلامًا مبرحة، أثرت فى نفس الفتاة المسكينة، وأصابتها بالذعر، وتذكرت عندها أن الجزار فى قريتنا يحرص على إخفاء السكين عن الجمل أو البقرة حتى لا يؤذى مشاعرهما، كما أمر النبى الأمى محمد بن عبد الله، أما الطب الحديث فى مصر وقصر العينى فيعتمد على نظرية الذبح للمريض ألف مرة علشان نخلص منه ولا يوجع دماغنا.

والعجيب أنك كنت ترى القصر يشغى بالناس كخلية النحل وفجأة لم تعد ترى أحدًا أبدًا، وكل ما مكثه الموظفون والأطباء والعاملون هو من الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وكل سنة وأنت طيب، رمضان كريم، وبعدها لم تجد طبيبًا تحدثه، ولا ممرضة تشفى غليلك، أو مغيثًا للهفان.

رأيت كيف لم يراعِ أصحاب المهنة الشريفة قواعدها، وكيف ذبحوا فتاة فى عمر الزهور ورأت الموت بعينيها ألف مرة فى 4 ساعات، رأيت كيف تتعامل طبيبة مع مرضى فى حجرة العمليات وكأنهم بهائم لا قيمة لهم ولا وزن، أرأيت كيف تعامل الطبيب مع الحالات برغم علمه بمواعيد العمليات وكأنهم ليسوا بشرًا وليس من حقهم الحياة؟ بل وتعامل مع أرواحهم وكأنهم لا يساوون شيئًا لمجرد أن جاءه ميعاد آخر أو كشف جديد أو سبوبة فى قناة فضائية.
للأسف، هكذا نحن المصريين.. ولكن متى سيحترم كل منَّا عمله؟ ومتى يؤدى كل منَّا حق الآخر دون أن يسأل عن حقه؟ ومتى يقوم كل منا بواجبه دون أن يسأل عن دور غيره؟ أعتقد أننا أمامنا وقت كثير.





مشاركة




التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

منة الرحمن

رفقا بالاطباء

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية جدا

ابحث عن الضمير !!

عدد الردود 0

بواسطة:

Ahmed

إلى التعليق رقم (1)

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية جدا

انه الضمير

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة