لقد أصبح من سخف القول، تكرار الأهمية الاقتصادية للسياحة ودورها فى تنمية الوطن، بالذات إذا كنا نخاطب نظاما يقوم فكره على كراهة السياحة، والنظر إليها كمصدر مشبوه للدخل يحسن التخلص منه، وينادى بذلك كل من ينتمى لهذا التيار، حتى من بين العاملين فى السياحة أنفسهم، وقد فضلوا القفز فى قطار الحرية والعدالة بعد أن فقدوا فرصتهم مع الحزب الوطنى السابق.
إننى أتحدث عن صناعة يعمل بها أكثر من ٦ملايين مصرى، ويعيشون من دخلها هم وأسرهم، ودعونا نتحدث بصورة برجماتية صرفة عن صناعة قررت الدولة التخلى عنها بالكلية، بل وتشويه صورة من يعملون بها...ولم يتعد الأمر بالنسبة للحرية والعدالة أكثر من الحديث الإنشائى عنها أيام الانتخابات، بصورة تدل دلالة قاطعة على أنهم لم يدرسوا مشاكلها الحقيقية، وأنهم قد انغمسوا فى القضية المحببة لديهم....المايوه والخمور والنساء العجائز الباحثات عن شباب مصريين دون النظر إلى ما هو محور السياحة الاقتصادى والسياسى الذى هو مكسب لا يقدر بثمن لمصر... واكتفوا من كل ذلك بتطمينات، صارت فى حقيقتها مفزعات لكل العاملين فى هذا المجال..... فقد انطلق أعضاء البرلمان المنحل فى أحاديث نظرية حول تنشيط السياحة الصحراوية والعلاجية، وكأننا عدمنا أى مقومات أخرى للسياحة وأهمها الآثار والرحلات النيلية القائمة عليها.... وأصبحنا نسمع خطبا عصماء عن الوصول بعدد السياح الى ٢٥ مليون سائح وبالليالى السياحية إلى ٢٥٠ مليون ليلة...... لينتهى بنا الأمر إلى إحصائيات مضحكة عن زيادة أعداد السائحين فى عام ٢٠١٢ مقارنة بنفس الفترة من عام ٢٠١٠. أقول إحصائيات مضحكة لأنها تعلن، فى الوقت الذى أغلقت فيه العشرات من شركات السياحة أبوابها، وطردت العاملين فيها، وأوقفت الفنادق نشاطها بعد أن أصبحت قاعاً صفصفاً لا تقدر حتى على دفع ثمن فتح أبوابها ولا أكثر..... أقول مضحكة لأنها تعلن بينما الآلاف من العاملين فى السياحة عاطلون فى بيوتهم لا يجدون قوت يومهم ولا يقدرون على دفع مصاريف المدارس لأولادهم ووصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار..... أقول مضحكة لأنها إحصائيات بنيت على إحصاء كل الداخلين من المنافذ الجمركية المصرية، بما فيهم الليبيون الهاربون من الناتو والتونسيون الهاربون من الفوضى والسوريون الهاربون من الحرب الأهلية فى بلادهم..... لقد تم اعتبار كل أولئك من السياح، وأضيف إليهم ذلك القليل من السائحين الروس الذين أصبحت تكلفة إقامتهم فى شرم الشيخ ومرسى علم، أكثر مما تحصله شركة السياحة المصرية من شركاتهم المحلية، بعد أن تستولى الشركة المحلية وشركة الطيران على ما هو أكثر من ٧٠٪ مما يدفعه السائح فى بلده، ويبقى للشركة المصرية الفتات.
إن حزب الحرية والعدالة مطالب بإعلان خطة واضحة لإنعاش سريع للسياحة، دون الدخول بنا فى تهويمات السياحة العلاجية والصحراوية....نحن متفردون بآثارنا، نحن نملك بنية أساسية قوية تم بناؤها منذ السبعينيات، عمل عليها رجال أكفاء لهم خبرتهم وقيمتهم واحترامهم بين محترفى السياحة فى العالم، نحن نملك كوادر مدربة أعطت هذا العمل الكثير وأخذت منه الكثير ومازالت تقدر على أن تعطيه أكثر......على رئيس الجمهورية أن يضع السياحة فى حسبانه مثلما وضع أصحاب التوتوك والتاكسى الأبيض ( مع كامل الاحترام لهم فهم شرفاء يقومون بعمل شريف له كل التقدير) .....لقد قدمت للرئيس العديد من المبادرات لإنعاش سريع للسياحة، قوبلت جميعها بصمت ولامبالاة غريبين، وكانت إحدى هذه المبادرات هى حفل عالمى فى إحدى المناطق الأثرية يقوم فيه الرئيس بدعوة العالم لزيارة مصر، لتنطلق بعدها ماكينة السياحة فى العمل والدعاية والتسويق....ولكن لم نلق أى رد واضح على ذلك..... يبدو أن دور وزير السياحة فى الحكومات القادمة سيكون دورا شرفيا، وربما يشغله مسيحى لتلميع وجه النظام أمام العالم.... وحسنا فعل السيد عبد النور الوزير السابق حين رفض البقاء فى وزارة قنديل، لأنه لا يقبل أن يكون صورة أو خيال مآتة، يقتصر دوره على متابعة مشاكل الحج والعمرة، وتوزيع التأشيرات، وإصدار القرارات بمنع تقديم الخمور فى الفنادق للمصريين خلال الأعياد الدينية.
على رئيس الجمهورية وحزبه إعلان خطة واضحة ومحددة المعالم لتنشيط السياحة بشكل سريع يسمح باستعادة الجزء الأكبر منها فى بداية موسم الشتاء القادم.... لابد من تحرك واسع وسريع يُعْنى بالمرحلة الحالية وليس بخطط مستقبلية تدوم عشرات السنوات....فإن معاناة الستة ملايين عامل بالسياحة وأسرهم قد طالت، وربما صمتهم النبيل دون احتجاج لن يطول أكثر من ذلك.
طه أمين يكتب: السياحة المصرية.. تقبلوا خالص العزاء
الأربعاء، 01 أغسطس 2012 08:47 م