بدون مجلس شعب.. ورئيس منتخب منزوع الصلاحيات.. ومجلس عسكرى ــ مازال ــ يجمع السلطات والصلاحيات الحقيقية فى يده.. وحالة من الصراع الدائر على السلطة بين العسكر وجماعة الإخوان المسلمين.. تدخل مصر مرحلة انتقالية جديدة.. تنتظر الثورة المصرية فى أعقابها أحد مصيرين إما النجاح (المشروط بتصحيح المسار الذى يقود بدوره إلى تحقيق الأهداف التى رفعها المصريون قبل عام ونصف) وإما الفشل (الذى تسير فى اتجاهه كافة القوى الوطنية بخطوات ثابتة ومنضبطة).
هنا تجد القوى الثورية المدنية نفسها فى موقف لا تحسد عليه.. حيث باتت هى القوى الوحيدة التى مازالت تنادى باستمرار الثورة وبتحقيق مطالبها وأهدافها فى الوقت الذى راحت فيه باقى القوى والتيارات السياسية الأخرى تتصارع على السلطة، ومن ثم أصبحت القوى الثورية المدنية هى المنوط بإعادة الثورة إلى مسارها الطبيعى أو بعبارة أخرى أصبحت هى المنوط بتصحيح مسارها.. ولكن كيف يمكن لها أن تحقق ذلك؟
بالنظر إلى التجارب الناجحة فى هذا الصدد وبقراءة السنة ونصف المنقضية من عمر الثورة المصرية قراءة نقدية وموضوعية.. نخلص إلى أن ثمة خطوات ثلاثة (تشكل إستراتيجية واحدة) هى طريق القوى الثورية المدنية لتصحيح مسار الثورة ومن ثم تحقيق أهدافها وهى:
أولاً: تشكيل تنظيم ثورى
كان الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه وارتكبته القوى الثورية هو عدم تنظيم الجماهير وحشدهم داخل تنظيم ثورى واحد يكون بمثابة الإطار أو الوعاء الجامع للكافة.. ومن ثم ضاعت فرصة الثوار فى إفراز قيادات ثورية قادرة على حشد وقيادة الجماهير فى اتجاه تحقيق أهداف الثورة.. وهى أمور كان لها تداعيات خطيرة لعل أهمها:
• تشرذم القوى الثورية وتشتتها ومن ثم تراجع صفوفها أمام صفوف قوى الثورة المضادة وتيارات الإسلام السياسى التى سرعان ما انحرفت فى اتجاه الصراع على السلطة.
• استنزاف طاقة القوى الثورية وشباب الثورة ــ كل على حدا ــ فى معارك جانبية خاسرة.
• تباين واختلاف المواقف المتخذة من قبل القوى والتيارات الثورية حيال الأحداث والتطورات السياسية وهو ما أظهرها أمام الرأى العام على أنها قوى متخبطة.
• تراجع أسهم القوى الثورية وشباب الثورة فى الشارع المصرى نتيجة الممارسات غير المحسوبة من بعضهم.
ولعل تداعيات إضاعة القوى الثورية لفرصة إنشاء تنظيم ثورى (والتى سبق عرضها).. هى نفسها التى تؤكد لنا أن تصحيح مسار الثورة ومن ثم تحقيق أهدافها لن يحدث ولن يكن دون تشكيل القوى الثورية وشباب الثورة لتنظيم ثورى يكون هدفه الأول والأخير إعادة الثورة إلى مسارها الطبيعى.. وهو أمر لو أقدمت عليه قوى وشباب الثورة يجب أن يضعوا فى اعتبارهم بعض الملاحظات التى تعزز فرص نجاحهم:
• ألا تسيطر المجموعة أو التيار الداعى لإنشاء هذا التنظيم عليه وأن تلتزم فقط بدور المنسق لحين انتخاب قيادات لهذا التنظيم، وذلك حتى لا يُسمح بتولد صراعات بين القوى والتيارات المختلفة بغرض السيطرة على قيادة التنظيم.
• ألا تنظر القوى والتيارات والشخصيات المشاركة فى التنظيم وهى تنتخب قياداتهم التنظيمية لأى اعتبارات كالانتماء السياسى أو الأيديولوجيات..إلخ.
• تجنب جميع المشاركين فى التنظيم (وبخاصة أعضاء التيارات والأحزاب) لفكرة إنشاء تكتلات أو جبهات أو مجموعات ضغط داخل التنظيم.
• تجنب أصحاب الأيديولوجيات لممارسة الاستقطاب الأيديولوجى لباقى أعضاء التنظيم لما يمكن أن يسببه ذلك من خلافات تقود بدورها لشق الصف الثورى.
• ابتعاد التنظيم وجميع أعضائه عن الدخول فى أى معارك جانبية وخاصة تلك التى تحاول قوى الثورة المضادة استدراج الثوار لها.
• الابتعاد تماماً عن الصراع على السلطة.. فهى أمور إن لم تتسبب فى شق الصف الثورى تؤدى إلى الإضرار بسمعة التنظيم ووضعه فى قائمة الأحزاب والتيارات والتكتلات الساعية للسلطة وهو ما قد يترتب عليه ابتعاد الجماهير عن التنظيم.
ثانياً: تحديد وإعلان أهداف التنظيم
"تصحيح مسار الثورة".. ربما لن يجد الداعون لإنشاء تنظيم ثورى عبارة أفضل من هذه يجيبون بها على تساؤلات البعض عن الغرض من إنشاء مثل هذا التنظيم، إلا أن العبارة نفسها لن تكن كافية لإقناع المتسائلين سواء من المواطنين المتطلعين لنجاح الثورة أو الإعلاميين الذين ملوا الإعلان عن إنشاء عشرات الائتلافات الثورية دون فائدة (خاصة فى الأيام الأولى من قيام الثورة) أو غيرهم والذين قد يتساءلون عن المقصود بعبارة فضفاضة مثل تصحيح مسار الثورة.
هنا يجب على الداعيين لإنشاء هذا التنظيم أن يكونوا قد أجابوا مسبقاً على هذا السؤال والذى تكمن إجابته فى تحديد الأهداف التى يتحقق بتنفيذها تصحيح مسار الثورة ومن ثم نجاحها، وهى أهداف يجب عند تحديدها مراعاة:
• أن تكون الأهداف والمطالب التى سيرفعها التنظيم عامة لا يختلف عليها أحد (وهو ما فعلته القوى الداعية للثورة عندما رفعت مطالب ألتفت حولها الجماهير "عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية").
• أن يبتعد التنظيم منذ البداية عن رفع أى مطالب أو أهداف تثير الخلافات مهما كانت درجة أهميتها، وإرجاء ذلك إلى وقت لاحق يكون المجتمع فيه مستعد لذلك.
ثالثاً: الإستراتيجية والإستراتيجية البديلة
فى حالة تشكيل تنظيم ثورى يستهدف تحقيق أهداف بعينها لن نكن فى حاجة للكلام عن ضرورة وضع إستراتيجية لتحقيق هذه الأهداف.. فهو أمر بديهى تماماً بل وحتمى لو أراد هذا التنظيم أن يصل لأهدافه.
ورغم أن وضع إستراتيجية تحقيق الأهداف ومن ثم تنفيذها ــ كمرحلتين لاحقتين لإنشاء التنظيم الثورى وتحديد أهدافه ــ سيكونان من صميم عمل أعضاء وقيادات هذا التنظيم، إلا أن هذا لن يمنعنا من الإشارة إلى بعض النقاط المهمة والتى يجب على واضعى هذه الإستراتيجية أخذها فى الاعتبار .. ألا وهى:
• دراسة الواقع السياسى دراسة دقيقة ومتأنية وجيدة.
• تقييم أداء كافة القوى الثورية خلال الفترة المنقضية من عمر الثورة.
• تحديد أوجه النقص والتمييز لدى التنظيم الثورى نفسه (تحديد الإمكانات).
• وضع الإستراتيجية اللازمة لتحقيق الأهداف مع التنبه لأخطاء الماضى.
• الالتزام بالخطوات والخطط التى تحددها الإستراتيجية دون الدخول فى معارك جانبية قد يستدرج لها التنظيم.
• وضع إستراتيجية بديلة قابلة للتنفيذ فى حالة فشل أو إفشال الإستراتيجية الأساسية.
وهى نقاط لابد أن ينظر لها واضعى الإستراتيجية بعين الاعتبار.
ويبقى أن نؤكد أن عدم قيام التيارات والقوى الثورية بتنظيم صفوفها وتحديد أهدافها والسعى بشكلين علمى وعملى منظم نحو تحقيقها لن يفض إلا لمزيد من الفشل الذى يصب فى صالح التيارات والقوى المتنازعة على السلطة.