إن إطلاق الحرية للأشخاص سبب أساسى فى تكوين آرائهم وفى التعبير عنها بلا تحفظ بل تساعد هذه الحرية فى إبراز الآراء من حيز الفكر إلى حيز الفعل، إن استقلال الشخصية يعد من أركان صلاح المعيشة وتكون العواقب وخيمة على الإنسان إذا تم تقييد هذه الحرية فالعواقب ستصيب الإنسان من الوجهة العقلية والأدبية إذا لم تمنح للإنسان تلك الحرية أو إذا لم يقرر حقه فيها.
ويجب على القانون والرأى العام عدم اعتراض هذا النوع من الحرية (استقلال الشخصية) ما دامت هذه الأفعال لا تمس الغير بضرر أو بخطر وهذا الشرط مهم وضرورى إذ لا يوجد من يقول بأن حرية الفعل ينبغى أن تكون بقدر حرية الرأى بل إن الآراء نفسها لتفتقد حرمتها إذا كان التعبير عنها يقع فى ظروف تجعله تحريضا على ارتكاب عمل مضر بالآخرين، فكل عمل مهما كان نوعه من شأنه إيذاء الغير بلا مسوغ يجيز بصبغة عامة تدخل القانون لمنعه.
فعند هذا الحد ينبغى أن تنتهى حرية الشخص إذ لا يجوز أن يكون الإنسان مضرا بغيره ولكن إذا كان الإنسان لا يتعرض للغير فيما يختص بنفسه دون سواه فالأسباب التى توجب إطلاق الحرية للآراء توجب أيضا إطلاق الحرية لتنفيذ هذه الآراء ما دامت عواقبها مقصورة على صاحبها فقط ومادام تنفيذها لا يؤذى الغير.. وبما أنا الإنسان غير معصوم من الخطأ بل وأفكاره لا تشتمل على كل الحقيقة وأن اختلاف الآراء ووجهات النظر ليس من الأشياء الضارة بل على العكس قد تكون مفيدة فى معظم الأحيان مادام الناس عاجزين عن الإحاطة بجميع أطراف الحقيقة فلذلك يحسن أن يكون ثمة اختلاف فى الآراء وأيضا سبل المعيشة وأن يفسح المجال للحريات مالم يكن فيها إضرار بالآخرين وأن تطلق الحرية للإنسان كى يثبت بالتجربة والاختبار قيمة كل أسلوب من أساليب العيش وهذا يمكن شخصية الإنسان فى إبراز نفسها وإظهار استقلالها فإنه مادام رائد الناس فى حياتهم وسلوكهم هو عادات الغير وتقاليد الغير دون أخلاقهم الذاتية وطباعهم الفطرية فقد انعدم من السعادة البشرية لأن تقاليد الغير وعاداتهم هى إلى حد كبير دليل على ما تعلموه من تجاربهم فهى جديرة بالاحترام ولكن هذه التجارب قد لا تكون واسعة شاملة أو ربما قد يكونوا أخطأوا فى تأويلها أو قد تكون صحيحة فى التأويل ولكنها غير مناسبة لنا وللظروف التى نعيشها ومن المعلوم أن العادات والتقاليد إنما شرعت للظروف المعتادة والأخلاق المعتادة ولا يبعد أن تكون ظروف الفرد أو أخلاقة خارقة صحيحة وأنها مناسبة لظروف الفرد وأخلاقه ومن الخرق مع ذلك أن يجرى الإنسان على مقتضاها لمجرد كونها عادات فإن ذلك لا يغرس فى نفس الفرد شيئا من الصفات التى تميزه عن سائر مخلوقات الله فالله عز وجل اختص الإنسان بالإدراك والفطنة والتمييز والتفكير والعاطفة كل ذلك لا يظهر له أثر إلا عند الاختيار والمفاضلة إن الإنسان الذى يفعل شيئا لأن العادة جرت به لا يستعمل ملكة الاختيار ولا يستفيد شيئا من الخبرة فى سبيل معرفة الخير وإدراكه إن الإنسان الذى يفوض إلى الناس باختيار طريقه فى الحياة إذن أين قيمة الإنسان باعتباره مخلوقا آدميا وما الفرق بينه وبين القرود أعنى ملكة التقليد، إن الإنسان لا يحرز النبل والشرف ولا يستحق الإعجاب بالمثابرة على محو ما فيه من صفات، بل بتنميتها وتربيتها وبذلك تستفيد الحياة من شرف الأحياء، وعلى قدر ارتقاء شخصية الإنسان تزيد قيمته وفائدته لنفسه وبالتالى يصير قادرا على زيادة قيمته وفائدته لغيره.
لو كان الناس يدركون أن إطلاق الحرية لنمو الشخصية هو أهم ركن فى إصلاح المعيشة فالحرية الشخصية شرط ضرورى لتحقيق الحضارة والتربية والتهذيب فاستقلال الشخصية قيمة جوهرية.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة