حسنا فعل السيد رئيس الجمهورية حين اتصل بفضيلة الأمام الأكبر د. أحمد الطيب، مطيّبا خاطره بعد ما وقع معه فى جامعة القاهرة يوم السبت، والحق أن د. الطيب يستحق منا التقدير حين غضب، واحتج من جراء سوء التعامل معه، والمؤكد أن ما قام به بعض المشرفين على الحفل أمر خارج حدود اللياقة مع أى إنسان، ناهيك عن أن يكون هو فضيلة الأمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر. كان الرجل يجلس فى مقعده، وإذا بأحدهم يطلب منه أن يترك ذلك المقعد، لأن هناك من هو أهم منه سيجلس عليه، وتبين أن من جلس ليس أهم «بروتوكوليا»، وحتى لو كان أهم، فإن التصرف يكشف عدم لياقة، وقلة ذوق.
د. الطيب يعرف تماما معنى موقعه والمؤسسة التى يجلس على رأسها، وهو مشغول منذ بداية جلوسه على هذا الموقع باستعادة هيبة ومكانة المؤسسة. حدث بعد توليه المشيخة بفترة قصيرة أن حلّ شهر رمضان، وزاره وزير بأحد القصور الملكية فى دولة عربية شقيقة، وعرف الإمام بالأمر من طاقم مكتبه، فقد اعتاد الوزير سنويا أن يزور الشيخ، ويدعوه لزيارة بلده، حيث يلقى بعض الدروس فى جلسات رمضان بحضور جلالة الملك، أو أمير المؤمنين كما يلقب فى مملكته.
استقبل د. الطيب الضيف، واستمع منه جيدا لكل ما قاله، سواء منه ما كان بالتصريح أو بالتلميح وما وراء الكلمات، ثم تحدث د. الطيب معتذرا لضيفه بعدم إمكانية السفر خلال الشهر الفضيل، هو هنا تكون لديه مهام سواء فى الجامع الأزهر أو عموم البلاد، فرد الوزير قائلا: لكن أمير المؤمنين يحب الأزهر ويجلّه، ويحب أن يستمع إلى شيخ الأزهر، فرد الشيخ قائلا: سيادة الوزير من يحب الأزهر يأتِ ويسعَ إليه، الأزهر لا يذهب لأحد، وانتهت المقابلة.. نسيت أن أقول إن ذلك الملك كانت تربطه علاقة وثيقة بالرئيس حسنى مبارك، وكان ينظر إلى زيارة الشيخ سنويا على أنها نوع من تأكيد هذه العلاقة الوثيقة.
المواقف عديدة فى أزمان مختلفة، ليس فقط فى عهد حسنى مبارك، وليس فقط فى العصر الجمهورى، حدث أيضًا فى العصر الملكى، ولم تكن القضية فى أن المسؤول الأكبر فى البلاد لا يفهم لبعض اللحظات، أو فى بعض المواقف، موقع الأزهر، ومن يقف على رأسه، لكن المشكلة كانت فى أنه لا يدرك بعض الشيوخ ذلك.. رأينا من يصغر ويهون أمام مؤسسة الرئاسة، وأمام الرئيس نفسه فى أمور تتعلق ببعض المخصصات المالية، وأوجه الإنفاق داخل المؤسسة، ورأينا من يستعطف ليبقى فى موقعه.
ومن حسن الحظ الآن أن لدينا على رأس الأزهر عالما جليلا يعرف - بحق - ويدرك قيمة الأزهر، لا استعلاء على أحد، ولا انتقاص من قدر الآخرين، ولا يجب لأحد أن ينتقص من قيمة الأزهر، بالانتقاص من قدر شيخه الأكبر. ومن حسن الحظ أيضًا أن لدينا رئيسا للجمهورية يدرك هو الآخر قيمة الأزهر ودوره، ولم تأخذه العزة بالإثم، ولم يجد غضاضة فى أن يتصل بالشيخ الأكبر مطيّبا خاطره أو معتذرا له، ومبديا الأسف مما أحدثه بعض العاملين معه. هذا شأن الكبار دائما، الصغار فقط هم من يخجلون أو يعجزون عن الاعتذار.. وكان الرئيس كبيرا حين جعل مكتبه يعلن للصحف ووسائل الإعلام «خبر» اتصاله بفضيلة الأمام الأكبر. أعرف أن هناك من يقول إن الرئيس اتصل تحت ضغط الإلحاح الإعلامى، وحتى لو كان ذلك صحيحا، فهو يؤكد أننا إزاء رئيس يحترم الإعلام، ويستمع إليه.
ليس لنا أن نجزع على الأزهر، ولا أن نقلق عليه إذا كان على رأسه شيخ يعرف قيمة وقامة الأزهر، وإذا كان لدينا رئيس يعرف ذلك أيضًا، هو الآخر.
د. الطيب.. ارفع رأسك فوق.. فوق.. أنت شيخ الأزهر.