على رمضان يكتب: حصريًّا.. "الباشاوات" الجدد

الجمعة، 06 يوليو 2012 12:11 ص
على رمضان يكتب: حصريًّا.. "الباشاوات" الجدد صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جلس "باشاوات" الملك فى قصر أحدهم مجتمعين ومنتظرين أن تقرر بريطانيا احتلال مصر، والقبض على عبد الناصر وصحبه، واغتيال ثورة يوليو، وعودة مصر لأحضان الملكية ثانيةً، بل تمادوا فى حلم يقظتهم فكتبوا قائمة بأسماء الوزراء فى الوزارة الجديدة المقبلة بعد انهيار الثورة على يد الإنجليز.

وامتد عمر الحلم أيامًا وشهورًا، ويبدو أنه لم ينقذهم منه إلا موتهم غيظًا وكمدًا، بينما راح الأحياء منهم يتجولون فى شوارع وأزقة وبارات وحانات أوروبا يهمهمون بهذيان وغيبوبة، مرددين هتافًا يخرج من داخل أحشائهم: عاش الملك وتسقط الثورة!

وتمر السنون، وتنقضى الأيام، وتستعيد مصر المشهد ذاته، فتهب الثورة مُنْفِضَةً عن مصر غبار حكم فاسد تولاه اللصوص وقطاع الطرق، وتستأصل الثورة الرؤوس وتترك الأقدام، فتجتمع ثانية دوائر الباشاوية، ولكن هذه المرة لم يكونوا مختبئين فى قصر أحدهم كسابقيهم، وإنما ببجاحة يحسدون عليها يجلسون الساعات الطوال تبثُّ اجتماعاتهم ومناقشاتهم وحواراتهم شاشات الفضائيات، يبثون سمومهم ويضعون العراقيل تلو العراقيل، ويحطمون بذلك آمالاً يعقدها الشعب على مستقبله، فتنهار المعنويات ويصاب الجميع بالإحباط، والأدهى والأمر أن هؤلاء المنتفعين والمداحين والمهرولين يتحدثون باسم الديمقراطية، أليست ديمقراطية؟ فلنقل ما نشاء! وهم فى الحقيقة يتحدثون باسم كروشهم وحساباتهم فى البنوك التى جمعوها من دم الشعب الذى يتحدثون باسمه.

لا يتحدثون باسم شعب عاش مغيبًا بلا تعليم ولا رعاية صحية ولا معاش، ولا باسم الخوف من الطغيان باسم أكل العيش، ولا باسم الدم الفاسد الذى سال فى شرايين الأمة، ولا باسم ضياع الحقوق، ولا باسم أطفال الشوارع المغرر بهم والمعتدى عليهم جنسيًّا صبيانًا وبنات، ولا باسم المظلومين الذين باتوا لياليهم رافعى أياديهم لربهم، ولا باسم المليارات المهربة من قوت ابنى وابنك، والتى لو بقيت لتعلم أولادنا تعليمًا ممتازًا وبالمجان، ولشفى مريض من مرض عضال، لم يجد مكانًا بمستشفى ولا دواءً رخيصًا، ولوجد ملايين الشباب عملاً يشتغلون به ومأوى يتزوجون فيه، ولكن راحت المليارات فى جيوب اللصوص وباشاواتهم الذين مازالوا فى أحلام يقظتهم يرون عودتهم قريبًا.

الباشاوات الجدد ينتشرون فى ساحات الإعلام السياسى والإعلام الرياضى وغيرهما المقروء منه والمسموع والمشاهد، مسكنهم فى الخمس نجوم ومطعمهم اللحوم المدخنة ومشربهم المياه المعدنية، مصيفهم فى لندن وعطرهم من بطون الغزلان، يبتسمون للشعب ابتسامات عريضة تخرج من بينها كلمات السم الزعاف، يجيدون المناورة والمحاورة، والتخليق والتلفيق، ويحفرون أمام مستقبل مصر وخلفه الحفر ليقع فيها، ولكنَّ قلوبهم ترتعد وأعضاءهم ترتعش لأن أرصدتهم فى البنوك لم تتلقَّ جديدًا منذ حالة الفواق الشعبى فى يناير، وهى مهددة بالنقصان ويخافون انتهاء الإقامة الخمس نجوم.

الباشاوات الجدد يساهمون فى عكننة الجماهير وإثارة الخوف من المستقبل فى أفئدة أصحاب العيال والمسئوليات المتراكمة، فيمضى هؤلاء يلعنون الثورة واليوم الذى قامت فيه ويتمنون العودة لأحضان الملك ولو أجراء بالسياط فى حقله.

الباشاوات الجدد يجدون الدعم المادى والمعنوى من بعض خاسرى الانتخابات الذين يدعمون بدورهم من بلاد لا تريد لمصر أن تنهض من كبوتها، فتدفع هذه البلاد وتدفع وتدفع، والباشا الجديد يقبض ويقبض.

باشاوات زمان يشبهون باشاوات اليوم فى أنهم أصحاب الياقات المنَشِّيَّة والقمصان والكرافتات الحديثة، ويختلفون فى ارتداء الطربوش الذى خلعه باشاوات اليوم ويريدون أن يلبسوه للشعب.

باشاوات زمان انتهوا سريعًا لأن هذيانهم كان محدودًا بينهم، سرعان ما تلاشى وعصفت به الريح.

أما باشاوات اليوم فلن ينتهى هذيانهم وتآمرهم مادامت الأبواق مسخرة لهم، ففى هذا الهذيان والتآمر رزقهم وطعامهم الذى لن تستغنى عنه كروشهم.

ولكن ستكون نهاية باشاوات اليوم كنهاية سابقيهم من باشاوات الأمس، لأن البقاء يكون دائمًا للأصلح والأكثر استقامة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة