هيومن رايتس ووتش: الأحكام الصادرة بقضية بن على تشوبها بعض العيوب

الخميس، 05 يوليو 2012 07:12 م
هيومن رايتس ووتش: الأحكام الصادرة بقضية بن على تشوبها بعض العيوب هيومن رايتس ووتش
كتب أحمد مصطفى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قالت هيومن رايتس ووتش، اليوم الخميس، فى بيان لها، إن محاكمة الرئيس السابق زين العابدين بن على وآخرين، التى جرت أمام المحكمة العسكرية فى الكاف، بينت الخطوات التى يتعين على النظام القضائى فى تونس اتخاذها من أجل محاسبة مسئولى النظام السابق بشكل شامل وعادل على انتهاكات حقوق الإنسان، التى تم ارتكابها.

كانت هيومن رايتس ووتش قد راقبت تطورات محاكمة قتل المتظاهرين أثناء احتجاجات تونس سنة 2010 ـ2011، وانتهت هذه المحاكمة فى 13 يونيو 2012، ودرست هيومن رايتس ووتش أجزاء من نصّ الحكم النهائى الذى جاء فى 1066 صفحة.
وخلص تقييم هذه القضية ـ ومعها قضية 22 من كبار المسئولين ـ إلى تحديد جوانب إيجابية فى أطوار المحاكمة، ولكنه أيضًا توصل إلى وجود ثغرات قانونية جعلت المحكمة غير مؤهلة بشكل كامل لتحديد هوية الذين ارتكبوا عمليات القتل وتحديد المسئولية الجنائية لمسئولين رفيعى المستوى.

كما أكد تقييم المحاكمة على ضرورة أن تُعرض مثل هذه القضايا فى المستقبل على محاكم مدنية وليس محاكم عسكرية.. وأشار التقييم إلى أنه بالرغم من أن القانون الدولى لا يحظر بشكل مطلق المحاكمات الغيابية، إلا أنه يبقى لـ بن على، الذى حُكم عليه بالسجن المؤبد، الحق فى محاكمة جديدة إذا عاد إلى تونس.

وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومن رايتس ووتش: "تُعتبر محاكمة بن على وكبار المسئولين الآخرين خطوة إلى الأمام على مسار تحقيق سيادة القانون، ولكن الحكم الذى صدر سوف يبقى دون معنى ما لم يرجع بن على إلى تونس لمواجهة التهم الموجهة إليه.. ويتعين على الحكومة التونسية مراجعة قوانينها للتقليص من الصلاحيات الكبيرة، التى تتمتع بها المحاكم العسكرية للنظر فى انتهاكات حقوق الإنسان التى قد ترتكبها القوات العسكرية أو قوات الأمن".
وكان بن على قد فرّ إلى السعودية فى 14 يناير 2011، ورغم صدور مذكرة توقيف دولية ضدّه إلا أن الحكومة التونسية لم تبذل جهودًا كافية لاسترجاعه من السعودية ومحاكمته.. وفى 17 فبراير، قال حمادى الجبالى، رئيس الحكومة التونسية، أثناء قيامه بزيارة رسمية إلى السعودية، لـ راديو سوا، إنه سوف يطرح مسألة تسليم بن على السعوديين، ولكنه اعتبر المسألة "ثانوية، وليست أولوية".

وجرت تطورات محاكمة بن على ومسئولين كبار آخرين فى المحكمة العسكرية الدائمة فى الكاف، وهى واحدة من ثلاث محاكم عسكرية فى البلاد. ونظرت المحكمة فى عمليات القتل التى جدت فى ولايات (محافظات) الكاف، وجندوبة، وباجة، وسليانة، والقصرين، والقيروان فى الفترة الممتدة بين ديسمبر 2010 إلى يناير 2011. وكانت أعنف الأعمال التى ارتكبتها قوات الأمن قد حدثت فى مدينتى القصرين وتالة فى الوسط الغربى التونسى حيث قُتل 23 شخصًا، وأصيب مئات الآخرين بجروح.. كما تجرى الآن محاكمة أخرى للعديد من المتهمين، ومنهم بن على ومسئولون كبار آخرون، فى المحكمة العسكرية الدائمة فى تونس العاصمة.

أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة فى الكاف حُكمًا بالسجن المؤبد فى حق بن على بسبب مشاركته فى القتل العمد، كما ينص على ذلك الفصل 23 من المجلة الجزائية.. كما أصدرت حكمًا بالسجن لمدة 12 سنة لنفس الأسباب فى حق رفيق الحاج قاسم، وزير الداخلية منذ نوفمبر 2004 إلى 12 يناير 2011، وأحكامًا بالسجن لمدة عشر سنوات فى حق كل من عادل الطويرى، المدير العام للأمن الوطنى السابق، وجلال بودريقة، المدير العام لشرطة مكافحة الشغب سابقًا، ولطفى بن زواوى، المدير العام للأمن العمومى سابقًا، ويوسف بن عبد العزيز، عميد سابق فى شرطة مكافحة الشغب، وخالد بن سعيد، المدير العام للفرقة المختصة لمكافحة الإرهاب سابقًا.. كما أصدرت المحكمة أحكامًا أخرى بالسجن تراوحت بين سنة واحدة و15 سنة فى حق ستة ضباط من أصحاب الرتب الدنيا بتهمة قتل المتظاهرين، كما تنص على ذلك الفصول 201 و 202 و 205 من المجلة الجزائية.

كما برأت المحكمة العديد من المتهمين الآخرين، ومنهم على السرياطى، المدير العام للأمن الرئاسى من 1 سبتمبر 2001 إلى 14 يناير 2011، وأحمد فريعة، وزير الداخلية بين 12 و27 يناير 2011، إضافة إلى بعض القيادات الأمنية الذين أشرفوا على قوات الأمن فى تالة والقصرين أثناء الاحتجاجات، بمن فيهم منصف العجيمى، مدير شرطة مكافحة الشغب فى تالة بين 10 و12 يناير، ومنصف كريفة، المدير الجهوى لشرطة مكافحة الشغب أثناء الأحداث، والعديد من الضباط الآخرين من أصحاب الرتب الدنيا.. وفى تقييمها لمحضر الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة فى الكاف، المؤلف من 1066 صفحة.
وقامت هيومن رايتس ووتش بسرد الإجراءات والشهادات والأدلة، التى قدمتها جميع الأطراف إلى المحكمة، وشرحت المنطق الذى اتبعته المحكمة لإدانة بعض المتهمين وتبرئة البعض الآخر.

بدأت محاكمة الكاف فى 28 نوفمبر 2011، بعد أن أحال قضاة التحقيق فى القصرين والكاف والقيروان القضايا إلى القضاء العسكرى عملا بالقانون عدد 70، الصادر فى أغسطس 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسى العام لقوات الأمن الداخلى.. وينص هذا القانون على أن تنظر المحاكم العسكرية فى القضايا المتعلقة بأعوان قوات الأمن الداخلى وسلوكهم أثناء ممارستهم لمهامهم.. ويُذكر أنه يوجد معيار فى القانون الدولى ينص على ضرورة أن تتمتع المحاكم المدنية بصلاحية النظر فى جميع القضايا المتعلقة بانتهاكات فى حق المدنيين، بغض النظر عما إذا كان المتهمون مدنيين أو عسكريين.

وقالت هيومن رايتس ووتش، إنه يتعين على السلطات التونسية إصلاح القوانين الداخلية بما يجعل صلاحيات القضاء العسكرى لا تتجاوز الجرائم ذات الطبيعة العسكرية البحتة.

وعقدت المحكمة عشر جلسات قامت خلالها باستجواب المتهمين، والاستماع إلى العديد من الشهود، وفحص مطالب محامى المتهمين والضحايا للحصول على أدلة إضافية.. وبدأت المرافعات الشفاهية فى 21 مايو.. وبعد صدور الأحكام، قال المدعى العام ومحامو الدفاع إنهم سوف يقدمون مطالب استئناف لدى محكمة الاستئناف العسكرى، وهى محكمة أحدثت بموجب المرسوم رقم 69، الصادر فى 29 يوليو 2011.

وخلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أن المحكمة العسكرية واجهت العديد من التحديات أثناء هذه القضية بحيث توصل قاضى التحقيق العسكرى إلى تحديد أعوان الأمن المتورطين فى ثلاث عمليات قتل فقط من أصل 23 عملية فى القصرين وتالة، وفشل فى الحصول على أدلة ملموسة على قيام رؤساء العمل بإسداء تعليمات إلى مرؤوسيهم باستعمال القوة القاتلة لقمع الاحتجاجات.. وفى غياب أدلة ملموسة قوية وشهادات الشهود، اعتمد المدعى العام وقضاة التحقيق على منطق الاستدلال لإدانة القادة المتهمين.

كما قالت هيومن رايتس ووتش، إن المجلة الجزائية التونسية تفتقر إلى النصوص التى تحتاج إليها مثل هذه القضايا، فهى لا تنص على مفهوم مسئولية القيادة الذى يعترف به القانون الدولى والذى يُحمل القادة وكبار المسئولين المدنيين مسئولية الجرائم، التى يرتكبها مرؤوسوهم إذا كانوا على علم بوقوعها، أو يفترض أن يكونوا قد علموا بها، بسبب الظروف السائدة فى ذلك الحين، دون أن يمنعوا وقوعها ويحاسبوا المسئولين على ارتكابها. وعملا بالقانون التونسى، يتعين على الادعاء العام إثبات أن الشخص القيادى كان على علم بالجريمة وأصدر تعليمات لارتكابها حتى يتم الإقرار بمشاركته فيها.. وقالت هيومن رايتس ووتش، إنه يتعين على تونس إدماج مفهوم مسئولية القيادة فى تشريعاتها الداخلية.
وقال إريك غولدستين: "إن الأحكام الصادرة ضد بن على والمسئولين الأمنيين الذين عملوا معه تبعث بإشارة تحذير قوية إلى كبار المسئولين بوجوب توخى اليقظة اللازمة لمنع ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

ولكن يتعين على الحكومة التونسية التحرك بشكل أسرع لاسترجاع بن على وإعادة محاكمته، وتبنى الإصلاحات القانونية اللازمة كى تصبح المحاكمات المستقبلية مستجيبة للمعايير الدولية".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة