آن اﻷوان أن نستبدل نداء (سيدى الرئيس) بنداء أكثر منه روعة ورومانسية (أخى الرئيس) لأن السيادة قد عادت من جديد للشعب الحر اﻷبىّ، والرئيس يظل اﻷخ الكريم لكل مواطن يخالطهم ويعيش آلامهم وآمالهم ويشعر بهم ويبش فى وجوههم، ويستكثر بهم، فالمرء بلا شك قليل بنفسه كثير بإخوانه.. نريد أن نخاطب الدكتور محمد مرسى بـ "اﻷخ الرئيس" ليس تقليدًا لمصطلح يتم تداوله فى هذه الدولة أو تلك، يلقبون فيها الحاكم باﻷخ القائد، وربما لا يكون لهذا اللقب عندهم مضمون حقيقى فى نفوس الشعب والحاكم على السواء، لكننا نريد أن نلقب الدكتور مرسى بـ (اﻷخ الرئيس) بما تعنيه من دلالات اجتماعية حقيقية، حيث يكون الرئيس أخًا لكل مواطن مصرى، وأن يشعر كل مواطن مصرى بأن الرئيس محمد مرسى هو أخ حقيقى له يحمل عنه همومه ويسعى فى قضاء حوائجه وشؤونه!!
ومقالى اليوم موجه ﻷخى الرئيس محمد مرسى، نتذكر معًا آية من آيات الله تعالى، فمازالت آيات الله تعالى البينات تترى وتتحقق فى معجزات هائلة بعدما ظننا حينًا من الدهر أن زمن المعجزات قد انقضى، فإذا بآيات الله الكبرى تتحقق أمام عيوننا لنراها عين اليقين، لقد عايشنا من خلال القرآن الكريم قصة نبى الله تعالى يوسف عليه السلام وهو يخرج من السجن ليشارك فى حكم مصر بعدما جمع له الله تعالى أبويه وإخوته فقال شاكرًا: (وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم) "يوسف 100"، وهكذا نرى اليوم الدكتور محمد مرسى بعدما ذاق ضيق السجن زمنًا معتقلاً سياسيًّا إبان انتفاضة القضاء، ومرة أخرى أثناء الثورة، حتى لا يشارك فى قيادة سفينتها، ثم إذا به بعد أقل من عام ونصف العام من اعتقاله اﻷخير يصبح أول رئيس منتخب لمصر عبر تاريخها الطويل كله، وتتحقق آيات الله البينات، من السجن إلى القصر، لو اختزلنا مهام الرئاسة اختزالاً تعارف عليه الناس – وإن كان مخلاًّ – بـ (القصر).
الدكتور محمد مرسى فارس من زمن آخر، مع كل اليقين بأنه قادر على التعايش مع الزمن الحاضر ﻷن المنهج الذى يحمله ويؤمن به منهج شامل شمول الزمان والمكان، إلا أن الدكتور مرسى يظل رجلاً من عالم آخر، زُج به فجأة فى وسط دولة عميقة، لم نسبغ أغوار عمقها بعد، يصارع على البقاء فيها بقايا نظام قديم ربما كان عتيقًا لكنه عتيد، مازال يتمسك بتلابيب الجهاز البيروقراطى والتنفيذى والعسكرى واﻷمنى وحتى القانونى، من أجل هذا تقريبًا كانت هناك حرب حقيقية لمنع توغل التيار الثورى بمختلف ألوان طيفه فى الأجهزة التنفيذية للدولة مع تأجيل انتخابات المحليات التى تعتبر مفتاح التواصل مع مشكلات الناس الحياتية، لذا تدور اﻷحاديث فى مجتمعنا المصرى الحقيقى بعيدًا عن النخبة (المدللة)، وهؤلاء المتحدثون بصدق وحب ولهفة، الذين أعتبرهم النخبة المثقفة الحقيقية وإن كانت بعيدة عن اﻷضواء، لكنها صدى صوت البلد، هؤلاء تدور أحاديثهم خوفًا وتوجسًا من أن يتم سجن الرئيس مرسى فى القصر، بمعنى حجبه وفصله بشكل تام أو شبه تام عن المجتمع المصرى والشعب المصرى، وهذه معضلة حقيقية، ونحن إذ نفكر فى هذا الوضع لم نفقد قناعتنا طرفة عين فى السمات الشخصية للرئيس محمد مرسى، ولا فى تواضعه ولا فى بساطته وانتمائه الحقيقى لمواطنيه ولا فى انحيازه الصريح للشعب المصرى، وإن الذى يحرك هواجسنا ويثير مخاوفنا هو عمق مؤسسة الحكم المصرية، بالإضافة إلى تغلغل الجهاز التنفيذى مع عدم نجاح الثورة المصرية خلال عام ونصف العام مضيا من عمرها فى تطهير قطاعات واسعة مازالت ممسكة ومتمسكة بمفاصل صنع القرار فى مصر، مازال الإعلام يعمل بالطريقة الانقلابية التحولية نفسها، قفزًا من موقف إلى موقف ومن مركب إلى آخر دون خجل أو حياء، كما ظل الوضع على حاله فى مؤسسات مؤثرة أخرى فى الدولة.
المجتمع، أو على اﻷقل قطاع معتبر فيه، يخشى على الرئيس محمد مرسى من أن تنجح الدولة العميقة وبقايا النظام القديم فى سجنه داخل قصره، وصناعة فجوة أو حجاب بينه وبين الشعب، ومحاولة عزله عن الناس، سيقوم اﻹعلام، أو هو يقوم فعلاً بهذه المحاولة بشكل ضاغط وملح، يبدو ذلك واضحًا فى الضغط والتركيز المبالغ فيه على أى تصريح يصدر من أىٍّ من قيادات حزب الحرية والعدالة، وكأن المطلوب من الرئيس بعد استقالته من الحزب أن يكمم أفواه أعضاء الحزب، أليس من حق الحزب الذى نجح رئيسه فى الوصول إلى منصب الرئاسة أن يدعم هذا الرئيس وأن يسانده وأن يضع أمامه التصورات والبرامج؟!
أليس من حق هذا الحزب أو واجبه أن يقدم رؤيته حتى ولو كانت رؤية تحمل فى طياتها النقد أو المعارضة أو حتى الضغط على مؤسسة الرئاسة من أجل تنفيذ السياسات التى يحتاجها الشعب المصرى بصورة ملحة؟
إنها اللعبة القديمة المكرورة والمكشوفة كذلك، ولكنها فى هذا الوقت بالتحديد تثير المخاوف فى أنهم يحاولون بناء أسوار عالية، فى ظاهرها أسوار قصر الرئاسة، وفى باطنها من قبلها معتقل يعتقلون فيه رئيسًا جاء إلى الحكم برغبة شعبية حقيقية، لكنه جاء كذلك من خارج السرب والصندوق المعتاد، ومن خارج المؤسسة التى شاخت فى الحكم وهى مع ذلك لا ترضى إلا بتوريث الحكم ﻷبنائها وأحفادها.
أخى الرئيس محمد مرسى، اكسر القيد مبكرًا، اكسر حتى محاولة القيد.. استمر كما كنت وكما عرفناك دائمًا مواطنًا فى وطنك، بلا موكب ولا حرس ولا أسوار أو حجاب، افتح إيميلك وأعلنه للناس، رد على الرسائل الإليكترونية التى ترد إليك، وكذلك تفاعل مع حسابك على مواقع التواصل الاجتماعى، خصص مؤسسة خاصة فى فريقك الرئاسى أو مؤسسة الرئاسة تكون مسئولة عن التواصل الحقيقى والفعال مع الناس تليفونيًّا وإليكترونيًّا وبريديًّا وإعلاميًّا، اجعل كل اﻷبواب الممكنة مفتوحة لإخوانك أبناء وطنك، تكن دائمًا كثيرًا عزيزًا حرًّا بهم!!
التحرير