هى صداقة بدأت منذ الصغر وقد تستمر فترة طويلة من الزمن، ولكن ما ينغص الحياة بينهم شىء ليس بيد أحداهما، فبعد هذه المدة من الزمن والتى تتعدى العشرون عاما، اكتشفت أن صديقتها تغارُ منها ولكن لم يصل بعد إلى درجة الحقد عليها، فالغيرة يعقبها غالبا الحقد و(العياذ بالله)، والحقد أشد من الحسد بكثير، فهو نار تشتعل بين الأضلع، تتمنى زوال المحقود عليه وزوال النعمة منه، وقد تأتى بما لا يتمناه الصديق أو الأخ لصديقه أو أخيه ولكن هنا صعوبة التحكم فى درجات الغيرة، فهى درجات تتفاوت شدتها من نفس إلى نفس، وكل نفس تستطيع أن تهذب من نفسها ولكن من يقدر على شيطانه إلا المؤمنين.
كل يوم أو اثنين تجامل صديقتها، مرة على فستان جميل فتقول (الله ما أروعه عليكِ) وبعد يومين ما أجمل هذه القلادة (العقد) (منور عليكِ) ومرة على الحذاء ومرة على عيد ميلادها ومرة على نتيجتها الدراسية ومرة على السيارة التى اشتراها لها والدها ومرة على خطبتها لشاب من الشباب الرائعين (ضابط بحرى)، وهكذا استمرت سنوات تجامل وتجامل وتهنى صديقتها وكأن كل يوم عندها فيه مناسبة لا بد من مجاملتها وتهنئتها، فهى عندها ما يستحق أن تهنئ عليه، أما هى فلا تتذكر سوى مرات قليلة هنأتها على أشياء لا تكون ذات قيمة، إنها تستحوذ على الهداية القيمة، وعلى الأشياء الجميلة، إنها غيرة تزداد اشتعالا ولكنها تترك فى النفس شيئا.
كانت تغار من صديقتها وفى أحد الأيام، اشترت ساعة جميلة وذهبت بها لكى تراها صديقتها، فقالت لها ما رأيك فى هذه الساعة؟ فقالت شكلها مقبول، وهنا انفجرت فيها وأخرجت بركان من الغيرة يحرق الواقف أمامه دون نار، يشعر البعيد بحرارته فيذوب عرقا، وهنا قالت لها، أجاملك على كل شىء سواء كان قبيحا أو جميلا، أقول لك أجمل الكلام على أتفه الأشياء، أُسمعك ما تريدينه وعندما أريد أن أسمع منك ما أريده أجدك تقللى من شأنى، وتتفهى من أمرى، منذ كنا صغارا حتى أصبحنا كبارا، وزادت فى كلامها حتى انفجرت بما فى جعبتها من كلام.
وهنا رددت عليها صديقتها مخرجة ما فى جعبتها هى أيضا من كلام فقالت: منذ أن كنا صغارا وأنت تقولين لى ذهبت مع أمى وذهبت مع أبى، خرجت مع أخى وذهبنا هنا وذهبنا هناك، تقولين لى قضيت العيد مع أسرتى ولعبنا ولهونا، تقولين زارتنى خالتى وسهرنا حتى الصباح وتقولين لى أنك تحب خطيبك وهو يحبك وخرجتم وذهبتم، كل هذا الكلام كان يشعل النار داخلى لأنك تعلمين أن أبى يسافر دائما وأمى مشغولة فى عملها، وأن كثيرا من الأعياد تأتى على وأنا وحيدة حزينة وأنت فرحة سعيدة وتقولين لى هذا، هل تعلمى إننى لا أحب خطيبى ولكنى وافقت على خطبته، حتى أخرج معه ويخرج معى مثلك أنت وخطيبك، ولكنه لا يخرج معى لانشغاله هو أيضا فهو ضابط بحرية لا أراه كثيرا، هذه الهداية والملابس لا تأتى بالسعادة، فما أنت فيه هو السعادة التى أريدها، هل عرفتى من منا يغار من الأخرى.
هنا نظرا لبعضهما البعض والدموع تملاء عينهما، وبدا يضحكا معا، وعرفت كل منهما أن فى يد أحدهما سعادة لا تعرف قيمتها.
صداقة العمر، ينقصها الصراحة، فقديما قالوا يا بخت من بكانى وبكى على ولا ضحكنى وضحك الناس على، ابحث عن السعادة فى أبسط الأشياء لديك فقد تكون كل المنى لمن يملك المال ولا يملكها.
