إن الهدف من الخدمة العامة هو خدمة الصالح العام من خلال إبداع الحلول لمشاكل المجتمع، وإن ممارستها تقتضى توفر كفاءتين اثنتين: كفاءة معرفية وكفاءة أخلاقية.
كفاءة معرفية تسعف صاحبها فى فهم واقع مجتمعه وتمكنه من معالجة مختلف الإشكالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، عبر اقتراح حلول واقعية تتجاوز منطق المزايدات السياسية، تترفع عن الديماجوجية البئيسة وتبتعد عن الطوباوية الفكرية العقيمة.
وكفاءة أخلاقية تترجم صدق السياسى وتمنعه من استعمال العمل السياسى سلَّمًا للرقى الاجتماعى ومطية للتحكم فى رقاب الناس عبر استغلال النفوذ الذى تمنحه المناصب السياسية، كما تحمى صاحبها من السقوط فى "السياسة الرخيصة" المبنية على الديماجوجية والطوباوية لترتقى به إلى مستوى الالتزام السياسى الذى يترجم ممارسة السياسة بحس المسئولية من جميع المواقع.
قالت لى الأيام:
إن للإصلاح والتغيير آليات ومبادئ بدونها يتحول أى مشروع للتغيير والازدهار إلى مشروع للعبث والانهيار. فالتغيير يبنى على مبادئ التدرج فى تنزيل أفكار الإصلاح والحرص على التوافق ما أمكن مع مختلف مكونات المجتمع كى لا يتم نسف مكتسبات المجتمع السابقة أو الاصطدام بمعارضين للمشروع من الراغبين فى الإصلاح، لكن بالرافضين للمنهج والطريقة المتبعة فى التنزيل.
التوافق قد يفرض تنازلات عديدة وعسيرة القبول أحيانًا، هذا أكيد، لكن استيعاب السياسى لقيمة اللحظة التاريخية التى تؤسس للقطع مع مرحلة الفساد والاستبداد والانتقال إلى مرحلة الكرامة والحرية والعدالة والتنمية وقدرته على توظيفها التوظيف السليم، وترفعه عن البحث عن الكسب الشخصى والحزبى لصالح الكسب المجتمعى يقودان حتمًا لتحصيل أكبر قدر من المكاسب التى تخدم مشروع التغيير والإصلاح.
وقالت لى الأيام:
إن الإصلاح والتغيير ليسا مسألة أيام أو شهور ولكنهما مسار طويل، شاق وعسير، تعترضه عوائق كثيرة مرتبطة بحجم الإشكالات التى تتخبط فيها البلاد، وأخرى تزرعها جيوب المقاومة من المتضررين من الإصلاح الخائفين على مصالحهم من الضياع، والتى راكموها إبان فترة الفساد. يضاف إلى جيوب المقاومة هاته المؤدلجون الذين تعميهم أيديولوجيتهم وإرادة الانتصار لها عن بصيص الأمل الذى تزرعه حركة التغيير التى يقودها خصومهم سياسيًّا وفكريًّا، فتعميهم بالضرورة عن ضرورة دعم الإصلاح والدفع بعجلة التغيير للدوران للأمام متخلين عن الالتزام السياسى المطلوب فى مثل هاته الظروف الحرجة والتاريخية. يضاف إلى أولئك فئة عريضة من الشعب لم تستوعب أن للإصلاح ضريبة وكلفة يجب سدادهما ليحقق مراده، وأنه ينبغى التحلى بمستوى عالٍ من الصبر حتى يؤتى التغيير أكله. هذه الفئة للأسف الشديد تقع ضحية لأمرين اثنين: جهل المعطيات والوقائع، وتضليل المؤدلجين.
وقالت لى الأيام:
إن ممارسة السياسة تقتضى التحلى بخصلتين حميدتين، هما الحكمة والجرأة. فالحكمة تسم السياسى بالاعتدال والرزانة المطلوبين فى اتخاذ القرار السياسى السليم فى اللحظة المناسبة، وكذا الخطاب والطريقة السياسية السليمة فى إعلانه وتنزيله. حكمة إن غابت فقد تؤدى إلى السقوط فى مطبات عديدة تُعيق مسار الإصلاح وربما تجهضه وتقوض دعائمه. أما الجرأة فهى تمنح السياسى القدرة على اتخاذ القرارات الشجاعة التى قد تضعف شعبيته وشعبية الحزب الذى ينتمى إليه كما تمنحه القدرة على التمرد على التقاليد السياسية البالية التى لا دور لها سوى عرقلة أى محاولة للإصلاح. جرأة تكسبه المناعة ضد كل المثبطين - عن اتخاذ القرارات السياسية التى تخدم مصلحة البلاد - من المرتبطين بصناديق الاقتراع الحريصين على أصوات الناخبين أكثر من ارتباطهم بأفكارهم ومبادئهم، وأكثر من حرصهم على مصالح الناخبين ومصلحة الوطن.
لكن كثيرين ممن تعوزهم الخبرة والتجربة السياسيتين وبعد النظر الاستراتيجى يسمون الأمور بغير مسمياتها، فينظرون إلى الحكمة على أنها جبن وخضوع للضغوطات وتنازل عن المبادئ، كما يجعلون من الجرأة مجرد مراهقة سياسية ومغامرة غير محسوبة العواقب ويتهمون أصحابها بممارسة الشعبوية السياسية بغرض انتخابى محض.
ثم قالت لى الأيام:
إن ذاكرة الشعوب قصيرة سرعان ما تنسى الماضى البئيس "الطويل" الذى عاشته وصبرت عليه ردحًا من الزمن، فتبدأ مع بداية أى مسار للإصلاح بالتأفف على الأوضاع الجديدة والاحتجاج على تأخر النتائج المأمولة، وربما تصل الوقاحة ببعض فئاته إلى الترحم على الوضع السابق والتذكير بـ "بركاته الكثيرة". مثل هاته السلوكيات والتصرفات غير المسئولة التى تصدر عن فئات عريضة من الشعوب التى تعيش مرحلة انتقالية فى تاريخها السياسى تعد حجر عثرة فى وجه إرادة الإصلاح، ولا يستفيد منها إلا الفئات المتضررة من التغيير من المفسدين والمستبدين.
إن تحلى الشعوب بالصبر والتريث على أى عملية إصلاح يعد شيئًا ضروريًّا وأساسيًّا كى تسير هذه العملية بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها.
وقالت لى أيضًا:
إن العبرة بالأفعال، وليست بالأقوال فقط، وإن الشعوب تريد ما قل من أقوال وما دل من أفعال.
وقالت لى:
إنه لا يوجد أحد يستحق أن أكون تبعًا له فى كل أقوالى وأفكارى وتصوراتى وحياتى كلها إلاّ الفكر الواعى المســـتنير لخدمة وطنى وأهلى.
وعلمتنى:
أن انتمائى الأول الذى يستحق تضحيتى هو انتمائى لوطنى الحبيب.
وأنه لا أمان إلاَّ بالإيمان بشـــــرعية القانون.
وأن عطاء الأم أعظم من أن نقدر على مكافأتها عليه، وأن ابنك سيعاملك مثل معاملتك لأبيك.
وعلمتنى:
أن ثمة طريقتين لتكون أفضل من غيرك، إما أن تهدم بناءه، وإما أن تجعل بناءك أعلى منه، فاختر الثانية لأن الأولى تهدمك معه.
وأنك لا تخسر بكونك تخطئ، ولكن بكونك تيأس وتنسحب.
وأن الناجحين لم يصلوا للنجاح إلاَّ بالصبر فعلمت أنه سر النجاح.
وعلمتنى:
أن الفشل يعنى أحد أمرين: أن تفكر دون تنفيذ، أو أن تنفذ دون تفكير.
وعلمتنى.. وعلمتنى الكثير الكثير، وما زلت أتعلم منها حتى ألقى الله.
د. حسن عبدالحميد الدراوى يكتب: قالت لى الأيام
الثلاثاء، 31 يوليو 2012 10:49 ص