قامت ثورة 25 يناير بسبب ما أذاقه النظام السابق الشعب من ذل وقهر طيلة العقود السابقة.. شعر المواطن بأنه ليس له قيمة سواء داخل مصر أو خارجها، وبأن وجوده فى هذه الحياة ليس إلا لجمع المال بطرق شرعية أو غير شرعية لكى يستطيع مواجهة الظروف الصعبة والفساد الذى استشرى من حوله فى جميع قطاعات الدولة، تدنَّى مستوى التعليم الحكومى فبحث عن وسائل أخرى ليعوض ذلك النقص، إما بالدروس الخصوصية وإما من خلال التعليم الخاص، وتدهورت الخدمات الصحية داخل المستشفيات العامة وبالتالى فالمخرج أمامه هو المستشفيات والعيادات الخاصة.. الأمراض انتشرت فى المجتمع بسبب الفساد فى قطاع الزراعة وانتشار المبيدات الزراعية الفاسدة وكذلك المحاصيل الزراعية المسرطنة التى دخلت البلاد.. بالإضافة إلى ذلك صاحب زيادةَ عدد السكان تدهورٌ اقتصادىٌّ نتيجة فشل سياسات الدولة فى الاستفادة من ازدياد الأيدى العاملة، وأدى ظهور جيل جديد من الشباب، كثير منهم من حملة الشهادات الجامعية، ولا يجدون وظائف مجزية، إلى تضاعف سواد المعارضة، حيث كان الشباب العمود الفقرى للثورة.. تعالت الصيحات المصرية فى جميع الميادين مرددة فى وقت واحد "الشعب يريد إسقاط النظام".
والآن، هل نجحت الثورة لأننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية بعد أن أصبح لدينا رئيس منتخب بإرادة حرة؟ الشعب ينتظر من الرئيس المنتخب الحلول السريعة لمشاكله حتى يمكن القول بنجاح الثورة.. المصريون بحاجة إلى من يقضى على معاناتهم التى تزداد يومًا بعد يوم.. لو تحقق للمواطن العادى ذلك فإنه سوف يطمئن من داخله بأن الدكتور مرسى هو الرئيس الذى يستحق أن يكمل معه دورة أخرى، وسوف يقف الشعب المصرى بجميع طوائفه بجانبه، ليس من أجل رفعة شأن جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة؛ ولكن لكى يكمل الرئيس ما تم إنجازه فى الفترة الأولى.
وتتعالى الصيحات من قلوب المصريين، وليس من ميدان التحرير فقط: "الشعب يريد استمرار النظام".. وربما يصبح الرئيس التالى من نفس الفصيل الذى جاء منه الدكتور مرسى.. ولكن إذا استمر الحال على ما كان عليه قبل الثورة بأن يتم طمس الحقائق والالتفاف على مصالح الوطن والمواطنين من أجل أعضاء الحزب الوطنى وعيون جمال مبارك، ليصبح بعد الثورة من أجل أعضاء حزب الحرية والعدالة وعيون جماعة الإخوان المسلمين؛ فلن يكون ذلك فى صالح المصريين جميعًا، من الرئيس إلى الخفير، لذلك نتمنى من الدكتور مرسى أن يضع حدًّا فاصلاً بين منصبه الحالى كرئيس للجمهورية، وبين موقعه السابق فى حزب الحرية والعدالة وكذلك فى جماعة الإخوان المسلمين.
من ناحية أخرى الرئيس له مطلق الحرية بالنسبة للتشاور والتحاور مع أى فصيل أو حزب سياسى، بما فيها "الإخوان" أو "حزب الحرية والعدالة" مادام ذلك يصب فى مصلحة الوطن والمواطنين، أيضًا الدكتور مرسى له الحق فى اختيار معاونيه من أى تيار أو حزب، المهم لدينا هو الكفاءات والنتائج. هل من المعقول أن نفرض على الرئيس الأسماء التى سوف تعاونه سواء فى مجلسه الرئاسى أو فى الوزارة؟ وإذا افترضنا قبول الرئيس ذلك التدخل فى إدارته لشئون البلاد فالمنطق يقتضى أن يُحاسبه الشعب على النتائج فى حال إخفاق هذا النائب أو ذلك الوزير.. أم أن المنطق يقتضى أن الرئيس يتصرف كما يشاء فى اختياراته واتخاذ قراراته وعلى الشعب حينئذ المراقبة والمحاسبة من خلال الدستور والقانون؟
ولنتأمل الحوار الذى دار بين خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين طلحة بن عبيد الله عندما علم أن الصدِّيق ينوى أن يولى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - خليفة للمسلمين.. حيث قال طلحة للصديق مستنكرًا: "استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه - يقصد غلظة عمر - فكيف به إذا خلا بهم؟! فماذا تقول وأنت مُلاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال الصديق لطلحة: أقول لربى استخلفت على أهلك خير أهلك.
هذا هو الحال عندما تم اختيار عمر ليكون خليفة للمسلمين، وهذا رأى أحد المبشرين بالجنة فى أعدل إنسان على وجه الأرض بعد رسوله وخليفته.. إذن نحن لا نعلم مَن الصالح ومَن الأصلح، ولكن ننتظر الأفعال وما تسفر عنه النتائج.. وليعلم كل مواطن أن أى مسئول فى هذه المرحلة لن يتخذ أى قرار إلا إذا رأى فيه مصلحة الوطن والمواطنين.. لأنه يعلم أن أفعاله وسكناته سوف تكون موضوعة تحت أكبر ميكروسكوب فى العالم، ميكروسكوب له قدرة تحليلية فائقة لأنه يحتوى على أكثر من تسعين مليون عدسة، ألا وهى عيون المصريين.
لا نريد فرض الوصاية على الرئيس من بداية الطريق، اتركوا الرجل يعمل من أجل أن تسير الأمور بدون تعقيدات لا وقت لها.. ارحموا الرجل، الواقع والمصلحة العامة تقتضى الابتعاد عن الشعارات الرنانة التى لن تؤتى ثمارها الآن، على سبيل المثال رأينا طرفًا ينادى بعدم حلف الرئيس اليمين أمام المحكمة الدستورية، لأن ذلك يعنى اعتراف الرئيس بما جاء فى الإعلان الدستورى المكمل، وكذلك موافقته على قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وطرفًا آخر ينادى بتطبيق القانون مهما كانت النتائج، الرئيس أصبح بين اختيارين، إما أن يكون رجل دولة ويعمل على إعلاء سيادة القانون وإما أن يعمل على إرضاء العامة وأصحاب المصالح، لذلك قرر الرئيس أن يحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية.. أليس هذا القرار صوابًا ويدعونا جميعًا لعدم التسرع وفرض الآراء.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. مراد عز الدين
الشعب يريد...هم لايريدون