نختلف أو نتفق مع ثورة يوليو، نرفضها كليًّا أو نؤيدها جزئيًّا، لكن الشىء المؤكد أن هذه الثورة وضعت وأرست مبادئ لا يمكن لأحد أن ينكرها إلا جاهل أو غافل.
فثورة يوليو - التى بدأت كحركة عسكرية ثم تحولت لثورة بفضل دعم الجماهير - لها بالقطع أخطاء وسلبيات عديدة، فقد فشلت فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة، هذا بالإضافة إلى التضييق على الحريات وغياب التعددية الحزبية وحدوث كثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان، والهزيمة المريرة فى يونيو 1967.
إلا أن لها إيجابياتها أيضًا التى تمثلت فى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطنى قوى، وإقامة عدالة اجتماعية، وتأسيس النظام الجمهورى، ومحاولة لم الشمل العربى وتأسيس وحدة عربية كاملة.
وكانت ثورة يوليو أيضًا هى النبراس الذى أضاء الطريق لكل حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا والعالم العربى للتخلص من الاستعمار الغاشم الذى كتم أنفاس هذه الدول لأكثر من قرن من الزمان، والحصول أخيرًا على الاستقلال.
ولا يمكن أبدًا اختزال ثورة يوليو فى الحكم العسكرى للبلاد الذى استمر حوالى 60 عامًا، فثورة يوليو ليست هى جمال عبدالناصر ولا محمد نجيب ولا مجلس قيادة الثورة، مع احترامى لهذه الرموز، ولكنها تجسيد للروح الوطنية والفداء، ولكفاح شعب على مدى عقود طويلة ضد الظلم والفساد والمحسوبية والاحتلال الأجنبى الغاشم، الذى جعل مصر إمارة إنجليزية مستباحة أرضها وثرواتها، فثورة يوليو يمكن اعتبارها ثورة مدنية أكثر منها عسكرية.
إذن ليس من اللائق أن تأتى بعض الأصوات المنادية بعدم الاحتفال بثورة يوليو هذا العام تملقًا للإخوان الذين يعتبرون من أكثر الفئات تضررًا من هذه الثورة نتيجة الخلافات التى حدثت بينهم وبين الجيش، والتى أدت فى نهاية الأمر إلى الزج بهم فى السجون والمعتقلات، وحكم على بعضهم بالإعدام، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين جماعة "محظورة"، ومن العيب أيضًا أن تطالب هذه الأصوات باعتبار هذا اليوم فرصة للمطالبة بإنهاء حكم العسكر.
فالمجلس العسكرى - بالرغم من سوء إدارته للمرحلة الانتقالية ووقوعه فى أخطاء عديدة - يستحق التحية لحمايته الثورة ودعمه لها وتجنيب البلاد الانزلاق فى حرب أهلية أو صراع داخلى.
ولابد أن يعى هؤلاء أن ثورة 25 يناير - التى استفاد منها الإخوان وأدت فى النهاية إلى وصولهم إلى سدة الحكم والسيطرة على البرلمان - هى امتداد بشكل أو بآخر لثورة يوليو فى أهدافها ومبادئها وعلى رأسها قضية العدالة الاجتماعية التى أرست ثورة يوليو قواعدها من حيث تساوى فرص الفقير والغنى فى التعليم والعلاج والسكن والدواء...إلخ، ونأمل أن تستكمل ثورة 25 يناير التأكيد على هذا الهدف السامى.
إن الأخطاء التى وقعت فيها ثورة يوليو – كغيرها من الثورات - وانحرافها عن مسارها فى بعض الأحيان لا يعنى عدم الاحتفال بها، واختلافنا مع المجلس العسكرى أو انتقادنا إدارته لا يعنيان أبدًا طى صفحة مشرفة من تاريخ النضال الوطنى المصرى ومن الذاكرة الوطنية المصرية، فنحن نحتفل بقيم ومبادئ مازالت – على الأقل معظمها – باقية.
جمال عبدالناصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
إلياس مستور
ما أحوج العالم العربي الآن اليك يابا خالد