يتصور البعض أن العبادة فى الإسلام شاقة وثقيلة لذلك يعزفون عنها والبعض الآخر يؤديها كواجب ثقيل لا بد من تأديته.. لكنى كلما قرأت آية قرآنية أو حديثا شريفا وجدت العبادة موصوفة للمؤمنين بأنها مريحة ومفرحة ومطمئنة للقلوب الحزينة فكيف ذلك؟ إذا ضاقت نفسك يوما بالحياة فما عدت تطيق آلامها وقسوتها.. إذا تملكك الضجر واليأس وأحسست بالحاجة إلى الشكوى فلم تجد من تشكو له فتذكر أن لك رباً رحيماً يسمع شكواك ويجيب دعواك فتذكر قول النبى صلى الله عليه الله وسلم ":أرحنا بها يا بلال" لاحظ كلمة "أرحنا" أى الراحة بعد التعب، وهى قرة عين النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكان يقول: "وجعلت قرة عينى فى الصلاة"، وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). (الرعد 28)، فقد روى أبو داود عنْ حْذَيْفَةَ قالَ: "كَانَ النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى" أى إذا شغله أو أهمه أمر صلى وذلك، كما يشير "فارس علوان" فى كتابه عن الصلاة "الصلاة تضفى على المسلم أمنا واستقرارا نفسيا وتوازنا عصبيا، وانسجاما عقليا، كلها ممزوجة براحة الضمير، وشعور بالسعادة، وإشباع فى العاطفة، ولذة فى الروح لا تعادلها لذة، هذه المعانى السامية، يحسبها غير المصلى هراء، ويعدها معانى جوفاء، فيبقى محروما منها، مهما أوتى من مال أو علم أو ترف، وفى الصلاة وقاية ولذة لا يشعر بها إلا من أخلص وجهه لله، ومتعة لا يتذوقها إلا من استقرت حلاوة الإيمان فى قلبه، وراحة نفسية، قلما توجد إلا عند من خضعت جبهته ذليلة ساجدة لله "فلا يمكن أبدا لإنسان قريب من الله أن يصاب باكتئاب أو أى مرض نفسى.
ويشير "محمد نجاتى" - فى كتابه الحديث وعلم النفس - إلى أثر الصلاة فى جانبها النفسى فيقول: "للصلاة تأثير فعَّال فى علاج الإنسان من الهم والقلق، فوقوف الإنسان فى الصلاة أمام ربه، فى خشوع واستسلام، وفى تجرد كامل عن مشاغل الحياة ومشكلاتها، إنما يبعث فى نفس الإنسان الهدوء والسكينة والاطمئنان، ويقضى على القلق وتوتر الأعصاب، الذى أحدثته ضغوط الحياة ومشكلاتها، وتؤثر الطاقة الروحية التى تطلقها الصلاة.. فتبعث فى النفس الأمل، وتقوى فيها العزم، وتُعلى فيها الهمة، وتطلق فيها قدرات هائلة، تجعلها أكثر استعدادا لقبول العلم والمعرفة والحكمة، وللصلاة تأثير مهم فى علاج الشعور بالذنب الذى يسبب القلق، والذى يعتبر الأصل الذى ينشأ عنه المرض النفسى، وعلى الجملة فإن للصلاة فوائد عظيمة كثيرة، فهى تبعث فى النفس الهدوء والطمأنينة، وتقضى على الخوف والقلق، وتمد الإنسان بطاقة روحية هائلة، تساعد على شفائه من أمراضه البدنية، والنفسية، وتزوده بالحيوية والنشاط، وبقدرة كبيرة تمكنه من القيام بجليل الأعمال، وتنور القلب وتهيئه لتلقى النفحات الإلهية".
ويؤكد ذلك "فارس علوان" بقوله: "إنها فى الحقيقة معانٍ وأحاسيس وقفها الله عز وجل على من أراد له الخير وخصه بالفضل، وهذه النفحات الطيبة، تقى المسلم بإذن الله من معظم الأمراض النفسية، والعلل العصبية، والآفات العقلية، كالقلق النفسى، والاكتئاب، والخوف المرضى (الفوبيا)، والهستيريا، والبارانويا، والفصام وغيرها.. إن الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية، وشعور الأمن والاستقرار التى تضفيها الصلاة فى قلوب التُّقاة وألباب الخاشعين، تجعل الأمراض النفسية، والغضب والحزن والوحدة القاتلة، والأمراض العقلية، كالخرف وغيره، نادرة الحدوث فى مجتمع المصلين" قال تعالى: "وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة:45).
والدليل على ذلك عند الشعور بالخوف يأمرك الله بأن تصلى صلاة الخوف ليزول خوفك وهلعك وعندما تحتاج لشىء سواء فى حوزة البشر أو حوزة الخالق تصلى صلاة قضاء الحاجة، وعندما تكون سعيدا بعطية الله تصلى صلاة الشكر وعندما تكون مخيرا بين شيئين ولديك حيرة فى الاختيار تصلى صلاة الاستخارة.. إلخ، أما الكافر أو المنافق فإنه يشعر بثقل العبادات ولا يرى فيها إلا التعب والمشقة يقول تعالى: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ "(التوبة54).
ويقول "مختار سالم" فى كتابه: "الصلاة رياضة النفس والجسد" هناك علاقة بيولوجية بين مواعيد الصلاة ودرجة الطاقة الحيوية للجسم ولقد حاول العلماء عمل تحليل حركى للصلاة لمعرفة العمل العضلى وأهم التأثيرات الفسيولوجية لكل حركة وكذلك الوضوء.
ولنا أن نعرف أن الله غنى عن عبادتنا فلن يزيد ملكه شئيا أو ينقص بعباداتنا له ولكن العباد هم الذين يحتاجون للعبادة.
أما الصيام فقد أخبرنا ربنا جل وعلا، أنه مصدر الفرح لنا وليست فرحة واحدة، بل فرحتين قال صلى الله عليه وسلم "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" جزء من حديث رواه الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه.
قال القرطبى: معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا امتنعت من ذلك فى وقت من الأوقات ثم أبيح لها فى وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا.
قوله: "وإذا لقى ربه فرح بصومه" أى بجزائه وثوابه فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدّخرا، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا"، وقال تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا".
قال سفيان بن عيينة: "إن ثواب الصيام لا يأخذه الغرماء فى المظالم، بل يدّخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة".
وفى كتاب "بغية الإنسان فى وظائف رمضان" لابن رجب الحنبلى يقول: "ولم لا يفرح الصائم بطاعة ربه؟! .. لم لا يفرح الصائم وهو يتقرب إلى الله بركن من أركان الإسلام.. وقد أعانه الله عليه حين حرم منه آخرون إما لعذر أو ضلال.؟! لم لا يفرح الصائم وثواب الصوم لا يعلمه إلا الله".
إن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذى هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم من أناس حرموه فلم يصوموا، ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذى كان مُحَرَّما عليه حال الصوم، وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله - تعالى- مُوَفَّرا كاملا فى وقت هو أحوج ما يكون إليه حين يقال: أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريَّان الذى لا يدخله أحد غيرهم؟.
يقول د. رياض المسيميرى: لا يعنى قوله – عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم وغيره: "للصائم فرحتان" أن الصائم لا يتمتع بسوى هاتين الفرحتين المذكورتين فى الحديث الشريف، كلا، ولكنهما فرحتان إضافيتان لا يظفر بهما غيره من الناس!.
أما أولى الفرحتين: فهى فرحة تصاحبه كل ليلة، كلما غربت شمس يوم رمضانى كريم، وامتدت يده إلى تمراته ومائه البارد، يسدُّ بهنّ جوعته، ويطفئ حر ظمئه!، ولم لا يفرح، وقد بذل وسعه فى إرضاء ربه، ومنع نفسه حظها من الطعام والشراب؛ أملاً فيما عند الله من النعيم المقيم، والمتاع الحسن!، إنها فرحة الاستعلاء فوق ضرورات الجسد، وأنماط الحياة الرتيبة.
إنها أفراح الروح تنتشى طرباً، وتهتز فرحاً بحلول شهر الصيام والصبر الجميل، فرحة الصائم بفطره ليست لكسر سطوة الجوع، وإبراد لهيب الظمأ، فتلك فرحة تشاركه فيها الهوام والأنعام، ولكنها فرحة الانتصار على كيد الشيطان وهوى النفس ومطارق الشهوة وسُعارها، فرحة الإذعان والاستسلام لأمر الجبار، جل وعز، حين أمر بترك الطعام فتُرك، وهجر الشراب فهُجر.
وأما الفرحة الثانية: فهى فرحة ذات مذاق خاص، فرحة لقاء الحبيب حبيبه والصائم ربَّه الذى أعانه على الصيام ووفّقه إليه، ووعده بحسن الثواب وادخره له.
فرحة أنست كل الآلام والأحزان الغابرة، فقد غلبت هذه الفرحة ورجحت وحُقّ لها، وحُقّ لصاحبها أن يبتهج بها. فلطالما حفظ جوارحه عن المحرم والممنوع، وصان لسانه عن السافل والقبيح، فلم يكن صيامه صيام المحرومين، الذين حُرموا الطعام والشراب، وحرموا الأجر والثواب كذلك، يوم انتهكوا حرمة الشهر بكل ساقط من القول، وشائن من الفعل والسلوك.
فما أحرى كل صائم إذاً أن يستشعر حقيقة الصيام، ويعى مراميه العظام، فيوطن نفسه على صون صيامه من قول الزور والعمل به، ليحظى بالفرحتين كلتيهما، وتقر عيناه حقاً بكل ما أعده الله للصائمين الصادقين.
فإن أبى إلا أن يطلق لناظريه العنان ليطالعا كل قبيح تبثه وسائل الإعلام، أو تعرضه المتبرجات فى شوارع المسلمين، أو يرخى سمعه لمزامير الشيطان، وأصوات الطرب والغناء، ثم هو مع كل هذا فاحش اللسان بذيئه، فليعلم إنسان كهذا أن فرحه بفطره هو فرحة الأنعام بهبوطها المرعى، ونشوة الأُسْد بالتهام فريسة كلَّت قدماها عن الفرار.
فيا أيها الصائم افرح بصومك واهنأ بمنحة ربك فقد اختارك لتكون من الفرحين المحظوظين برضا ربهم.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الحمامصى
كلام طيب
كل عام وانتم بخير وبارك الله فيك