منذ سنوات ونحن نعانى من نظرة شديدة السطحية للمجتمع الإسرائيلى ونموذج البخيل الغبى يسيطر على الشخصية الإسرائيلية فى الدراما المصرية وهو ناجح فى مخاطبة العامة والبسطاء، أما المثقفون فيبزغ دائما تساؤلهم لو كان الشخص الإسرائيلى بهذا الغباء فكيف بنى هذه الدولة المتقدمة فى المنطقة فى غضون سنوات قليلة، وذلك على اختلاف الأعراق والروافد.. وبمناسبة تناول الشخصية الإسرائيلية بموضوعية أكثر فى دراما هذا العام، فاسمحولى أن أصف لكم تصورى بصفتى مهندسا معماريا لهذا الكيان المسمى إسرائيل الذى أراه بكل وضوح مشروع عقارى مستمد من الكتاب المقدس وممول من رأس المال اليهودى واستغل فى بداياتة الكراهية المتنامية لليهود فى أوروبا أيام النازى وتعاطف الأمبراطوريات الكبرى مع القضية فى تسويق فكرة مجمع سكنى (كومبوند) يهودى على البحر مباشرة، وفى قلب العالم القديم وبالقرب من الأماكن المقدسة لاحتواء يهود العالم الهاربين من الكراهية المشتعلة هنا وهناك.
كان إضافة الزيت إلى هذه النار جزءا من نجاح المشروع وزيادة قاطنيه يوما ما.. ولكن هذا المشروع العقارى فى نظرى قد فشل فشلا ذريعا لمخالفته لعدة شروط أساسية من شروط تأسيس مجتمعات التنمية المستدامة.. أولا المشروع لم يجتذب شرائح المجتمع المختلفة، وظل دائما مشروعا لذوى الدخل المحدود ولم يكن أبدا هدفا للأغنياء وأصحاب الدخول المرتفعة.. ثانيا المشروع كرس الكراهية ضد الشعب اليهودى بل بالعكس خضب أسواره بدماء جيرانه مما أضاف كراهيات جديدة، ولم يستطيع حتى يومنا هذا أن يوفر لسكانه الأمان الذى هو أساس فى تكوين مجتمعات التنمية المستدامة.
ثالثا وهو الأهم أنه رغم أنه اعتمد كمشروع عقارى فى بداياته على الدعاية أنه الملاذ الآمن وجنة الله على أرضه لشعبه المختار، بينما هو فشل واقعيا قى توفير السعادة لقاطنيه وأصبح المواطن الإسرائيلى يشعر باختلاف شديد كلما خرج إلى أطراف الوطن فى طابا أو شرم الشيخ أو حتى تركيا ومالطة وبينما ظل الإسرائيليون الأوائل مشغولين عن السعادة الطبيعية ـ كمواطنين ـ بالسعادة فى الاستيطان القائمة على نعت سكان الأرض الأصليين (العرب) بكل صفات التخلف والهمجية.
ثم كانت ضربة الرئيس البطل محمد أنور السادات.. بإيقاظهم على حقيقة أن العرب شعب متحضر يسعى إلى السلام فى حالة توقفوا هم عن استيطان أرض جديدة خارج المشروع الأصلى.. يعيش الجيل الحالى محنة حقيقية وهى فشل مشروع الأجداد فى تقديم حياة أفضل لهم، بل وأنهم زرعوهم فى بيئة رافضة تماما لوجودهم، واعتبار المشروع فى حالة وفاة إكلينيكا لن تفلح معه أى محاولات إنقاذ وعلى الغرب الآن وفورا دراسة كيفية تفكيك هذا المشروع سلميا، وبدون آثار جانبية قد تطيح ببترول المنطقة وتتركهم فى جليد قاتل لسنين طويلة.
