كعادة كل المصريين فى آخر أيام من شهر شعبان، نقوم بجمع الأموال من الجيران وجيران الجيران، كل منهم يدفع ما يريد، حتى نقوم بشراء زينة رمضان والفانوس الكبير حتى نعلقها فى الشوارع، وكانت المشاركة فى هذه العملية "عندنا فى المنطقة - على ما أتذكر" لها شروط خاصة، فكان يجب ألا يقل عمر من يشارك فى هذه العملية عن 12 سنة، وغير مستحب أن يزيد عمره عن 17، كما كان يجب أن يكون من نفس "الشلة"، فقد كنا بالفعل "عنصريين"، نمنع الصغار فى السن من المشاركة ولا نقبل بغير الأصدقاء، لكن هذه الشروط كانت ضرورة، لسرية العملية التى كنا نقوم بها، فقد كنا نقوم بعمل فى الحقيقة هو أكبر بكثير من جمع الأموال وشراء الزينة، حيث كنا نقوم بجمع الأموال، وجمع أكياس الشيبسى، ووقتها كان هناك نوعان من الشيبسى الأول بطعم الملح وكان كيس هذا النوع لونه أحمر، وثمنه "25 قرشاً"، بعد أن زاد سعره من 15 إلى 20 ثم إلى 25 قرشاً، وكان هناك النوع الآخر، وهو "الشيبسى بطعم"، وكان كيس هذا النوع له ألوان مختلفة حسب الطعم، وثمنه كان "35 قرشاً"، وبالطبع كان هناك طعمان أو ثلاثة على أقصى تقدير هم الجبنة والكباب والطماطم".
بعيداً عن أنواع الشيبسى وأسعاره، نعود لزينة رمضان، فبعد أن نقوم بتجميع الأموال لشراء الزينة، كنا نجمع أكياس الشيبسى ونقوم بصناعة الزينة بإيدينا نحن الصغار، وفقاً للطريقة التى علمها لنا الأستاذ هشام أستاذ التربية الفنية بالمدرسة، الذى علمنا طرق صنع الزينة بأكياس الشيبسى وطرق صنع الفانوس بالورق، ونظل نعمل لأيام طويلة فى صنع ليلا نهارا "نقوم بقص أكياس الشيبسى بطرق معينة ثم نصل بين الكيس والآخر بخيط طويل، حتى نصنع عقود من الزينة، وكنا بالطبع حريصين على أن يكون الشكل جيد، فكنا نضع كيس لونه أحمر "شيبسى بربع جنيه بطعم الملح، والتالى له ألوان بـ35 قرشاًَ، ثم آخر لونه أحمر، ورابع لون مختلف"، وهكذا تصبح الزينة بألوان زاهية وجميلة، أما الفانوس فكنا دائما نفشل فى صنعه، فبعد أن نقوم بقص ورق "الفلوسكاب" أيضاً وفقاً لطريقة الأستاذ هشام كنا نجتاز مرحلتين الأولى مرحلة التلوين، وهى المرحلة التى لو خرج منها الفانوس سليما فحتما سوف يفسد فى الثانية، ففى مرحلة تلوين الفانوس كان الورق يترهل من الألوان "الفلومستر"، التى كنا نصر على استخدامها رغم أن الأستاذ هشام نصحنا مرارا باستخدام الألوان الخشب إلا أننا كنا نعتبر ذلك عيبا فى حقنا لأننا محترفين صناعة وتلوين الفوانيس منذ سنوات لا تقل عن الثلاثة، إلا أن الفوانيس لم تخرج سليمة أبدا من هذه المرحلة وكنا نحاول مرارا ونحسب حساب الفاقد من الورق فى المحاولات فنشترى ورق فلوسكاب "بزيادة علشان اللى هيبوظ"، وفى المرات القليلة التى خرج منها الفانوس سليما من هذه المرحلة تلف فى المرحلة الثانية وهى مرحلة إضائته، حيث كنا نحاول إضائته بشمعة، وعلى الرغم أيضا من محاولاتنا المستمرة فى تكبير الفانوس وتوسيعه من الداخل حتى لا يحرق من الشمعه إلا أنه كان يحترق، لكننا لم نكن نستسلم أبدا ونستمر فى المحاولات حتى ليلة الرؤية، فعندما تعلن دار الأفتاء أن غرة رمضان غدا نضطرا إلى شراء فانوس كبير لإنارة الشارع.
بالطبع جميعكم يسأل الأن عن الأموال التى كنا نجمعها لشراء الزينة، فى الحقيقة هذه الأموال لم تكن لنا وفى معظم الأحيان لم نكن نعرف قيمتها، فكنا نجمعها وعلى الفور نضع جزء منها فى صندوق التبرعات بالمسجد بعد أول صلاة تروايح "أى ليلة ظهور الرؤية"، أو نعطيها لإحدى جيرانا التى كانت تقوم يوميا بعمل طعام لمجموعة من المساكين والفقراء حتى تطمعهم من هذه الأموال، وهكذا كنا نضرب كل العصافير بحجر واحد، فقد كنا نمارس هواية محبوبة لدينا ونقوم بإنارة الشارع بإيدينا، ونتبرع للمساكين.
تذكرت هذه القصة عندما كنت أسير بالسيارة فى مدخل الشارع قبل رمضان بأيام، فرأيت مجموعة من الشباب والشابات" يقومون بعمل زينة رمضان وتعليقها، ففرحت لأن الأمر أصبح عادة يتوارثها الأجيال، نظرت فى وجهوهم فعرفتهم، هم هؤلاء الأطفال الذين كنا دائما نحرص على عدم مشاركتهم لنا، أخرجت رأسى من نافذة السيارة وقلت لواحدة منهم "اى مساعدة" فردت بضحكة بريئة" ده للكبار بس، فقلت فى نفسى "حقا الأيام دول وكما تدين تدان".