هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحى، ولد سنة "93 هـ / 715م"، بالمدينة المنورة، ونشأ فى بيت اشتغل بعلم الحديث، وكان أخوه النضر مشتغلا بالعلم ملازما للعلماء حتى أن مالك كان يقال له "أخو النضر" لشهرة أخيه الواسعة، وبدأ مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التى نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه له، فقد حكى أنه كان يريد أن يتعلم الغناء فوجهته أمه إلى طلب العلم، قائلة له "إن الناس ينظرون فى غناء ذى الوجه الحسن ويتركون ذى الوجه القبيح"، وفى ذلك أنها لا تريد تشبيهه بالقبيح ولكن ليترك الغناء.
حفظ مالك القرآن ثم اتجه لحفظ الحديث وكان لابد من كل طالب علم من ملازمة عالم من بين العلماء، فلازم فى البداية ابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ سبع سنين لم يخلطه بغيره، بعدها اتجه مالك إلى نافع مولى ابن عمر فجالسه وأخذ عنه علما كثيرا، وقد اشتهر أن أصح الأحاديث هى المروية عن مالك عن نافع عن ابن عمر، كما أخذ مالك عن ابن شهاب الزهرى وهو أول من دون الحديث، ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة، كما أخذ عن الإمام جعفر الصادق من آل البيت وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و600 من أتباع التابعين.
عاش الإمام مالك فى عهد الخليفة هارون الرشيد الخليفة الخامس فى الدولة العباسية، ومن أشهر حكام هذه الدولة، وأكثرهم ثقافة وسيعا للعلم، وكان يملك أدبا رفيعا وتذوقا للشعر واللغة، لذلك كانت مجالسه تمتلئ بالشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء والموسيقيين، وكان كثيرا ما يناقش العلماء والأدباء، كذلك كان ينقد الشعر والشعراء، فقد كان الرشيد يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ومن أشهر الأدباء الذين عاصروا الرشيد وحضروا مجالسه الشاعر الكبير أبو العتاهية وأبو سعيد الأصمعى، ومن علماء الدين الذين عاشوا فى عصره الإمام الشافعى صاحب المذهب والإمام مالك بن أنس، الذى كانت له حكاية مع هارون الرشيد، فبعد أن كتب مالك أشهر كتبه "الموطأ"، استدعاه الخليفة هارون الرشيد فى قصره فذهب إليه مالك، وطلب منه الخليفه أن يقرأ له من كتابه وأن يعمله منه فقال له مالك: إن العلم يؤتى ولا يأتى، فطالب العالم يذهب إليه لا يستدعيه، ونقلت بعض المصادر الحوار الذى دار بينها وقتها: "يا أبا عبد الله ينبغى أن تختلف إلينا، حتى يسمع صبياننا منك "الموطأ"، فقال مالك إن العلم منكم خرج، فإن أعززتموه عزّ، وإن ذللتموه ذلّ، والعلم يؤتى ولا يأتى، فقال الخليفة هارون الرشيد صدقت، وطلب من أولاده الخروج للمسجد قائلا "اُخرجوا إلى المسجد، حتى تسمعوا مع الناس"، وقيل إن الخليفة أيضا ذهب إلى بيت مالك طالبا منه العلم.
يعتبر المذهب المالكى هو الغالب فى بلاد المغرب العربى والإمارات والبحرين، والأردن، والكويت، والسودان وصعيد مصر، والمنطقة الجنوبية من إيران ووسط وغرب أفريقيا ويبلغ عدد أتباعه فى العالم أكثر من 150 مليون مسلم، وتعرض الإمام مالك لبعض المحن نتيجة بعض الفتاوى التى تغضب الحكام حيث أفتى بعدم لزوم طلاق المكره، وكانوا يكرهون الناس على الحلف بالطلاق عند البيعة فرأى الخليفة والحكام أن الفتوى تنقض البيعة التى يبايعها من حلف بالطلاق، وبسبب ذلك ضرب بالسياط وانفكت ذراعه بسبب الضرب الذى أوقعه عليه، وتوفى مالك عن عمر يناهز ستة وثمانين سنة، عام 179 هـ بعد حياة عريضة حافلة، وصلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم العباسى وشيع جنازته واشترك فى حمل نعشه ودفن فى البقيع.