رأى عدد من الأدباء والمثقفين أن الفرق بين ثورة الثالث والعشرين من يوليو وثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، يتبلور فى أن الأولى قام بها عدد من الضباط الأحرار، وتحولت فيما بعد إلى ثورة شعبية، فى حين أن ثورة يناير هى ثورة شعبية سليمة سيطر العسكر عليها بعدما نجحت فى إسقاط رأس النظام، فى حين رأى البعض أن ثورة يوليو قام بها ضباط صغار كانت لهم أحلام وطموحات وطنية، وأن ثورة يناير استولى عليها عدد من رجال العسكر كبار السن لا يبحثون إلا عن بقاء مصالحهم فقط.
الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان، قال لـ"اليوم السابع" قبل لتوضيح الفرق بين ثورة يوليو ويناير يجب أن نتخلص من تأثير الزمن علينا، فثورة يوليو تكتسب بسبب أنها جزء من ماضى بعض الحنين، وأنه بعد يوليو والثلاثين عامًا التى قضيناها تحت حكم ذلك الشخص المسمى حسنى مبارك، منحت أيضًا يوليو جمالاً إضافيا، وإذا حاولنا أن نتخلص من أثر هذين الأمرين، فسوف تبدو يوليو مجرد حركة ضباط غاضبين استطاعوا أن يستولوا على الحكم، ويجهضوا إمكانية قيام ثورة حقيقة، انتهت إلى السيادة المطلقة للعسكر، وهذا هو وجه الشبه الأكيد بينها وبين ثورة يناير التى انتهت حتى الآن إلى السيادة المطلقة للعسكر، مع إدراك أن عسكر يوليو كانوا ضباطًا صغارًا لهم أحلام وطنية، أما عسكر يناير فهم ضباط مسنون شيوخ خالون من الأحلام الوطنية، أحلامهم مقصورة على السيادة والمال.
وأوضح "رمضان" أن ثورة يوليو كانت تراوغ بين الحلم الوطنى والاجتماعى، ولم تستطع أن تجمعهما فى لحظة واحدة، فإما أن تؤجل الحلم الوطنى لحساب الحلم الاجتماعى وأما أن تسعى للعكس، أما عسكر ما بعد يناير فغير مشغولين لا بالحلم الوطنى ولا بالحلم الاجتماعى، مشغولون فقط باستمرار وجودهم، مضيفًا "عسكر يوليو أوهموا البعض ومنهم الدكتور أنور عبد الملك أن الجيش فى عمومه وحسب النظرية الماركسية القديمة هو أداة هيمنة للطبقة الحاكمة، أما الجيش فى مصر وفى بقية المستعمرات فيختلف عن هذا التفسير، أنه كما قال أنور عبد الملك أداة التحرر الوطنى، وهذا سر تفوق عسكر يوليو على عسكر يناير".
وقال "رمضان": لقد أصابتنى أنا شخصيًا ثقافة يوليو بإنشاء أول وزارة ثقافة لتصبح هى ووزارة الإعلام وبعض الوزرات الأخرى مثل العدل والتعليم أهم الأجهزة الخادمة للنظام، ما أحلم به الآن هو أن تتبدد وزارات الثقافة والإعلام لتقل هيمنة الأجهزة الأيديولوجية على المثقفين، ومثقفو يوليو، وانظر كمثال إلى جمال الغيطانى ويوسف القعيد ومحمد حسنين هيكل وحمدى قنديل ومصطفى بكرى مع الأسف لذكره وغيرهم، هم الجناح الذى يساعد فراشة عسكر هذه الأيام على الطيران، وكأن مثقفى يوليو كتب عليهم أن يظلوا مثقفى عسكر، أكاد أقول إن ثورة يوليو تطارد ثورة يناير، وتطمس معالمها.
وقال القاص الكبير سعيد الكفراوى إن ثورة يوليو هى ثورة عسكر قامت لتحقيق رؤية لواقع تحاول إقامته فى مواجهة واقع يتصف بالمدنية وبسيادة القانون وبالتعليم الجيد، وبقدرٍ من الديمقراطية والثقافة، واقع ثورة يوليو فيه استبدل الزعيم نفسه بالأمة وعبر ستنين عامًا من سيطرة العسكر على إدارة الوطن نتأمل الآن الواقع فنجده يتسم بقلة القيمة.
وأضاف "الكفراوى": "أما ثورة يناير فهى الخروج من ظلمة الماضى واستبداده ومفاسده التى تراكمت عبر الستين عامًا بتقديم حلم لمجتمع تسوده دولة مدنية غير خاضعة لسطوة فرض وأفق مفتوح على الحرية والتعدد وهوية مصرية لا تفرق بين مسلم أو مسيحى، وتواجه سلطة الدولة الدينية، يوليو كانت ملازمة للهزيمة بعد 25 يناير اتولد حلم لدى المصريين، لعله يكون بداية لاختيارات جديدة تنقل الوطن من الفساد والتبعية، ومن مظالم الطبقة إلى أفق من الحرية والمستقبل المضمون.
وقال الشاعر والمترجم رفعت سلاَّم إن الفرق الأساسى بين ثورة يوليو وثورة يناير، هو أن هناك ثورة قامت على أكتاف انقلاب عسكرى وثورة شعبية سليمة بلا أى سلاح سوى الإرادة الشعبية، ففى الأولى تحول الانقلاب إلى ثورة حينما انحاز قائدها إلى الشعب، من خلال مجموعة كبيرة من الإجراءات التى قامت بتحويل البنية الاجتماعية والاقتصادية، وفى الثانية ما زلنا فى مواجهة القوى التى تسعى إلى تحويل الثورة إلى مجرد انتفاضة عابرة، دون أن تصل التحولات إلى بنية المجتمع.
وأشار "سلام" إلى أن الثورة الأولى كانت قيادتها معروفة ومنظمة على الطريقة العسكرية، أما الثانية فكانت ثورة شعبية بالمعنى الحرفى بلا قيادة، وبلا تأييد من الأحزاب التى كان النظام قد صنعها كديكور له، وبالتالى افتقرت إلى القيادة المركزية والتوجه المشترك.
وقال "سلام" ومن العجيب أن أحد قيادات حركة 6 إبريل التى شاركت فى ثورة يناير يدعو إلى عدم الاحتفال بثورة يوليو، وهو مؤشر على فقدان الوعى السياسى لدى عدد من المؤثرين فى ثورة يناير، وهو ما يفسر بالتالى تخبط التيارات التى شاركت فى صنع الثورة وعدم رؤيتها لاستراتيجية إجرائية بعد إسقاط نظام مبارك، شاركوا فى صناعة الثورة لكنهم لا يعرفون إلى أين ولا كيف.