رسمتنا الأساطير قبل أن نفكر أن نرسمها فى مخيلتنا، رسمتنا شعباً واحداً لا يفكر، لا يطور، لا يقرأ، وإن قرأ سينقسم على نفسه إلى طوائف ومجموعات تنادى بإلغاء الآخر خوفاً منه أو من الحقيقة المكبوتة، وعُلّقت لوحتنا السوداء هذه وسُميت بالبنط العريض "القومية العربية النائمة" وصدّقنا الجنيه.
كنا نسمى بالشعوب السّامية المتحدة وبتنا نسمى بمتخلفى هذا العصر الذى لا يرحم حتى الأموات منا، فهم يبيعوننا ديناً سياسياً وكذباً ونحن نبايعهم بالخلافة من خلف ستارٍ دون أن نشعر، وأن شعرنا قليلاً نأخذ حبة "منّوم" ونعود لنومتنا الأبدية، نصدّقهم ونصدق وعودهم ورائحة أسلحتهم الفاسدة الصدئة التى يبيعوننا إياها بخبثٍ وعبقرية، ونحن نفرح بلعبة المفرقعات الجديدة، لا لشىء إلا لأننا اعتدنا حلم اليقظة والفرح الوهمى!
ظَلمنا التاريخ حين شكّل هويتنا فوق هذه الأرض معاً، أرض الخيرات والقدسية والهلال الخصيب والأيام الخوالى وصلاح الدين، ظَلمنا كثيراً حين زرع فى قلوبنا الخوف من كل ما هو غربى أو مجهول أو دنيوى.
لقد فضّلنا منذ الأزل غرس رؤوسنا فى الأرض كالنعامة، والتغنى بأمجادٍ مضت قبل أكثر من ألف عام، ولن تعود طالما مازال باب العقل موصداً ومفتاحه فى كتاب الشجاعة أو فى جعبة الغربى وحده.
لا أدرى لماذا تخطر فى مخيلتى صورة التقاتل الشبه خفى بين آل سعود والشريف حسين فى 1925، وصراع كل واحد منهما على أن يكون خليفة المسلمين أو الملك صاحب العرش بشكل أو بآخر.
وهاهو التاريخ يعيد نفسه مرة ثانية فيشترينا الغرب بحفنة دولارات، ويعيد تقسيم المنطقة من جديد، بعد أن اختلف ميزان القوى العالمى، والمهم كل المهم لدينا هو الكرسى الملتصق بمؤخرات زعامةٍ هزيلة فاسدة ومدعيةٍ للدين والرجولة والعروبة والشرف، فلماذا لم ينتخب ملايين الثوار مجلساً انتخابيا وسط ميدان التحرير، وكوّن بعدها حكومة انتقالية، ثم انتخب مندوبوه؟ كيف اشترت الولايات المتحدة أصوات المصريين بثمن رغيف خبز لتجدد تحالفها القديم مع الإخوان المسلمين لتضمن مصالحها؟ وكيف تضيع ثورة ملايين هكذا بلمح البصر ببعض البخور والأحاديث وادعاء وجوب حكم الله؟
ثم لماذا تريد الولايات المتحدة أن تحالف الإخوان المسلمين؟
هو سؤال بسيط جدا فمنذ عام 2004 بدأت الادارة الامريكية مخططاتها لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط، ومن أهم أولوياتها إضعاف الصين، وتود التمهيد للانسحاب من الشرق الأوسط تدريجياً ليتسنى لها حل مشاكلها الداخلية ومستوى معيشتها الذى بدأ بالانخفاض؛ بسبب تردى الأحوال الاقتصادية ووجود الإخوان فى مصر طبعاً سيثرى مصالحها، وسيثريها ضد الصين وروسيا، ومن أفضل من الإخوان للقيام بذلك؟ يخفون القومية تحية قبعة الاختفاء، وينصبّون دعاة الدين علينا وينشرونهم فى الشرق الأوسط، وإلا فلماذا تعززت علاقة الإخوان "بالسى آى أيه" مع صعود عبد الناصر إلى الحكم؟ ولماذا نجدهم بعلاقة وثيقة مع المخابرات البريطانية منذ عشرينات القرن العشرين؟ ولماذا تقابل محمد مرسى مع نائب وزير الخارجية الأمريكى فى مطلع هذه السنة؟ ولماذا عقدوا الاجتماعات والمحادثات معهم قبل الانتخابات المصرية بقليل؟
بسيطة جداً يتسلون بعقولنا ويخططون لتنصيب المتأسلمين فى مصر وتونس وسوريا وتركيا وفى كل بقعة يستطيعون إليها سبيلاً!
وكيف تسخّر روسيا للعالم صورة سورية بأنها حرب أهلية وطائفية وهى من يقتل شعبها ويحمى مرايا الأسد؟
يلحّن الغربى لنا على وتر سمائنا الحساس، ويفرّقنا كما يفرق القطيع تماماً بين سنّى وشيعى، ومسلم وقبطى، وسلفى وبهائى، وناصرى وكلبى وجحشى، ويكفيه هذا اللحن ليستولى على بلاد عروبتنا المنسية، وأرواح ضحايانا ولون دمائنا، والتى أثبتت أنها حمراء كباقى شعوب هذه الأرض.
ونحن نقف مكاننا منذ ألف سنة وأكثر، ونمسح الجوخ ليل نهار، وندّعى الحضارة والثقافة، ونتغنى بأمجاد الرازى وابن سينا مع أن الأول فارسى والثانى أوزباكستانى أى ليسوا عرباً أصلاً، ونعيش ونحلّل ونحرّم قشرة السيجارة ونفتتن بجنةٍ وعدونا بها وكذبوا وبنارٍ غير موجودة أساساً!
قال الماغوط:
" الغرب وضع الإنسان العربى أمام خيارين:
البوط العسكرى أو العمامة، أخذوا سيفى كمحارب وقلمى كشاعر وريشتى كرسّام وقيثارتى كغجرى فماذا أقول لهم أكثر مما يقول الكمان للعاصفة؟
لا يوجد عند العرب شىء متماسكٌ منذ بدء الخليقة حتى الآن سوى القهر والوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هى وحدة الألم والدموع، والإرهاب لم يترك لى فرصةً لأحب أحداً حتى الله"!
وأنا أقول لكم اليوم كيف للعربى أن يتحرر وعقله مازال عالقاً بكل ما هو ممنوع أو حلال أو حرام، وحتى وإن دخلت الرصاصة فى صدره وهو صائم سيسألك جيرانه إن أفطرَ أم لا!
كيف ينام الضمير العربى هكذا وبكل ببساطة ولا يدافع عن أخيه؟ ولماذا يُدفن الشعب السورى حياً ولا يجد مقبرةً ينام نومته الأبدية فيها باحترام، أى أمة هذه التى صارت تحتقر حتى موتاها إلا أمتنا العربية؟ ولنقل أن الشعب العربى فى منطقة الشرق الأوسط يعانى من تردى الأحوال المعيشية والمادية، أين هى شبه جزيرة العرب؟ أين هم خلفاء الأمة والخليج العربى؟
أذكر أننى قد قرأت قبل يومين فقط إحدى وثائق ويكيلكس، والتى كشفت أن أميراً سعودياً أبلغ السفير الأمريكى أن عائدات مليون برميل نفط يومياً تتوزع بين ستة أمراء فقط، وتبلغ ثروتهم أكثر من تريليون دولار أى أضعاف أضعاف الناتج المحلى للسعودية بأكملها، فأين هى النخوة العربية؟ وأين تذهب كل هذه الأموال؟
لا ونعود ايضاً لننصب المفتى فلان والشيخ علّان اولياء لله على الارض وعلى عقولنا ونتبارك بهرطقاتهم التى لا تنتهى، ونبايع آل هارون الرشيد وآل مصعب بن بن بن.. وننتظر رحمة السماء !
ألا ترون انه تقسيمٌ جديد للمنطقة " وسايكس بيكو" بحلة جديدة؟
لماذا تكرهون انفسكم الى هذا الحد؟وعلى ماذا تتقاتلون؟
يكفيكم طعناً بالأخوّة والإنسانية، يكفيكم ذبحاً لهذا الوطن !
" إن العلم قادرٌ على مساعدتنا لتخطى هذا الخوف الذى سيطر على عقول البشر لأجيال طويلة، وهو وحده من سيجعلنا نتخطى عقدة الخيالات والبحث عن حلفاء وهميين فى السماء"، فهل تستيقظون؟
سوريا
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد زكريا فضل
كفاكم انتم ذبحا لهذا الوطن
عدد الردود 0
بواسطة:
د فضل
احترموا عقولنا حرام عليكم