د . حســــن عبدالحميد الدّراوى يكتب: أنت حر ما لم تضـــــر

الأحد، 22 يوليو 2012 01:36 م
د . حســــن عبدالحميد الدّراوى يكتب: أنت حر ما لم تضـــــر صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أحلى الحياة فى هذه الدنيا!! تلك الحياة لها قوانينها لممارســـتها على الوجه المطلوب، فهى حق لكل البشــــر، وهى من الحقوق المقدسة بحيث لا يحق لأحد التجاوز إلى حق غيره فى هذه الحياة؛ فقد اعتُبر الاعتداء على حياة إنسان واحد بمثابة الاعتداء على حقوق جميع الناس، ولقد ورد ذلك فى قول رب البعزة والجلال: (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا).

إن هذا التشديد على احترام حق الحياة لا يشمل جانب الغير فقط وإنما ينال صاحب الحياة ذاته أيضًا؛ فليس من حق الإنسان التنازل عن حقه فى الحياة.

والحرية ليســــت الإباحية التى تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته فى أى ميدان من ميادين الفعل أو الترك وبأى لون من ألوان التعبير، فالإنسان يسعى دائمًا وأبدًا إلى التطور والتحول للأفضل محاولاً اكتساب عناصر جديدة وعديدة. وتلك هى طبيعة الحياة (التغيير والتطور).

فى الماضى دافع الأنبياء والعلماء والفلاسفة عن آرائهم ومعتقداتهم التى يؤمنون بها.. ولقوا العديد من الصعاب والمشاق التى وصلت إلى الاستشهاد والاتهام بالكفر والإلحاد.

سقراط شرب السم راضيًا مدافعًا عن آرائه وفلسفته وما يؤمن به، وعقدوا له مجلسًا مؤلفًا من 500 قاضٍ لمحاكمته، ودافع سقراط عن الحرية دفاعًا مجيدًا ومســــتميتًا فقال: ليس على الأرض إنسان له الحق فى أن يملى على الآخر ما يجب أن يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير، ومادام الإنسان على وفاق مع ضميره فإنه يستطيع أن يستغنى عن رضا أصدقائه وأن يستغنى عن المال وعن العائلة وعن البيت.

ولكن بما أنه لا يمكن لأى إنسان أن يصل إلى نتائج صحيحة دون أن يُدقق ويفحص كل ما له وما عليه فحصًا تامًّا فقد وجب عليه أن يترك الناس أحرارًا، فلهم الحرية التامة فى مناقشة جميع المسائل، وكانت تلك هى حجج سقراط فى دفاعه عن نفسه ورده تهمة الكفر التى اتهمه بها قومه، وقد خاطبه القضـــــاة فى الكف عن تعليم تلاميذه بحيث إذا وعد وعدًا صادقًا بذلك فإن المجلس سيعفو عنه، فكان جوابه لهم: كلاَّ، مادام ضميرى هذا الصوت الهادئ الصغير فى قلبى يأمرنى بأن أسير وأُعلم الناس طريق العقل الصحيح فإنى سائر إلى تعليم الناس وأُصرح لهم بما فى عقلى دون اعتبار للنتائج، ولم يكن بعد ذلك إلاّ الأمر بقتله، فقُتل وتجرع السم بين تلاميذه، وكان دفاعه الأخير هو: إنكم مخطئون إذا ظننتم أنكم بقتلكم الناس ستمنعون أى ناقد من كشف شروركم.. لا، إنه ليس أيسر الطرق وأشرفها أن تكمموا الأفواه، بل أن تصلحوا أنفسكم وتقيموا الميزان بالقسط، ولا حرية للفكر إلا بالبوح به وإعلانه، فمادام الفكر حبيس الذهن لم يخرج بعد إلى الناس ولم يعلن عنه؛ فإنه لا يكون حرًّا.

إن معظم الذين باحوا بما فى صدورهم مما اعتقدوه حقيقة علمية أو فلسفية ودينية نالوا من الاضطهاد بالتعذيب أو الحبس أو القتل، وأول قيد على حرية الفكر هو العادات والتقاليد القديمة البالية أو التى انقلبت على مر التاريخ إلى محرمات (تابو) وغالبًا ما تقوم السلطة الحاكمة بتقييد حرية الفكر خوفًا على مصالحها، فإذا ألغت عقوبة الحبس أو السجن لجريمة ما فى قانون ما استخدمت قوانين أخرى تحت مسميات أخرى للعقاب، فالعقوبات ليست قاصرة فقط على قانون العقوبات بوصفه قانونًا عامًّا إنما هناك العديد من العقوبات وردت فى القوانين الخاصة والتى بطبيعتها تقيد العام.

وعندما قامت الثورة الفرنسية لم تكتفِ بشعار الحرية والإخاء والمساواة حيثُ إنها كانت مدركة أن ما نزل بالمجتمع من المصائب والشقاء وإفساد الحكومات يرجع إلى سبب واحد هو الجهل بحقوق الإنسان أو تجاهلها أو العبث بها، فأصدرت الثورة الفرنسية الإعلان العام لحقوق الإنسان، وقررت أنها حقوق مقدسة لا يصح أن تمتد إليها يد العبث والمساومة، ومنها ما يلى:

- يولد الناس أحرارًا متساوين فى الحقوق، لا تمييز ولا تفاضل بينهم إلا فيما تقتضيه المصلحة العامة.

- كل سلطة يصدرها الشعب وحده، ولا يحق لأى قوم أو أى جماعة أن يأمروا أو ينهوا إلاَّ إذا استمدوا السلطة من الشعب.

- القانون هو مظهر الإرادة العامة للأمة، ولأهل البلاد جميعًا الحق فى أن يشتركوا فى وضعه بأنفسهم أو بواسطة نوابهم، والقانون واحد بالنسبة للجميع.

- لا يصح لإنسأن اتهام إنسان أو حبسه أو القبض عليه إلاّ فى الأحوال المبينة فى القانون بشرط اتباع الإجراءات، وكل من ينفذ أمرًا استبداديًّا مخالفًا للقوانين أو يأمر به أو يوعز بتنفيذه يستحق العقاب.

- حرية الجهر بالآراء والأفكار من حقوق الإنسان المقدسة، فلكل امرئ أن يتكلم ويكتب ويطبع بكل الحرية بشرط ألا يسىء استعمال هذه الحرية فى الأحوال التى بينها القانون.

وفى حرية الرأى والفكر يقول جون ستيوارت ميل (فى كتابه الحرية): "ليس من حق هيئة تشريعية أو تنفيذية أن تفرض على الناس اعتناق رأى لا يرتضونه أو توجب عليهم الإيمان بمعتقد لا يرونه، والحكومة الدستورية تنفذ إرادة الشعب ولا تقاوم رغباته، ولا يجوز فى منطق الحرية إسكات معارض ولو انتهى إلى إبطال رأى أجمع الناس على صوابه".

ويقول طوم بين: (كل حكومة وراثية هى بطبيعتها حكومة استبدادية). وفى مصر وفى مجال الحرية خطب الزعيم سعد زغلول فى جموع طلاب الأزهر الذين احتشدوا بأمر من مشايخهم مهاجمين كتابًا فى الشعر الجاهلى للدكتور طه حسين.

تبقى فى النهاية المشكلة الحقيقية وهى أزمة العلاقة بين الفرد والسلطة الحرية شىء جميل، ولكن لها ضوابطها ولها فنونها.. فأنت حر ما لم تضر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة