د. رضا عبد السلام

هل من رؤية استراتيجية مصرية لأفريقيا؟!

السبت، 21 يوليو 2012 08:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد يتصور البعض أننى أكتب هذا المقال كردة فعل لتحرك الرئيس مرسى مؤخراً تجاه أفريقيا.

الحقيقة، أننى شاركت فى نوفمبر 2011م فى مؤتمر دولى (بطرابلس الليبية) حول مستقبل العلاقات العربية الأفريقية، أى قبل انطلاق ثورات الربيع العربى بشهرين! وكانت ورقتى المقدمة للمؤتمر تحت عنوان "نحو رؤية استراتيجية بعيدة المدى لمستقبل التعاون العربى الأفريقى".

لاحظت خلال المؤتمر المشار إليه أعلاه أننا كعرب نتعامل مع أفريقيا بنظام القِطعة، ومن خلال جزر منعزلة ينافس بعضنا بعضاً، بل يحارب بعضنا بعضاً. وفى المقابل، ومن خلال دراستى للتجربتين الصينية والماليزية، وهما أكبر لاعبين فى أفريقيا حاليا، وجدت أنهما تحركا تجاه أفريقيا من خلال رؤية استراتيجية بعيدة المدىLong Term Strategic Vision. ولهذا لم يكن غريباً بالنسبة لنا أن تكون الصين هى أكبر شريك تجارى لدول القارة السمراء، كما أنها أكبر مستثمر فى تلك القارة تليها ماليزيا وباقى دول النمور الآسيوية، وفى المقابل كانت مصر وشقيقاتها العربية خارج قواعد اللعبة!

الشاهد هنا، أننا تأخرنا كثيراً على أفريقيا، بل أننا أهملنا أفريقيا لذا كان طبيعياً أن تهملنا! فأفريقيا بالنسبة لمصر - إضافة إلى البعد الاستراتيجى والامتداد الإقليمى ومنبع النيل- تشكل سوقاً خصباً وبكراً لعلاقات تجارية واستثمارية بعيدة المدى.

وعندما أتحدث عن رؤية استراتيجية فإنما أقصد أن يجلس الخبراء والمختصين ويتعرفوا على الفرص الاستثمارية والتجارية فى كل من مصر ودول القارة السمراء، وإبراز المقومات والإمكانات المصرية، والمعوقات والتحديات التى تعوق هذا التعاون، وهو ما يطلق عليه علمياً تحليل SWOT أو تحليل الفجوات Gap. وفى ضوء نتائج هذا التحليل يمكننا وضع رؤية لعام 2030 على سبيل المثال. أى أنه بحلول عام 2030 تكون مصر هى الشريك التجارى والاستثمارى الأول لدول أفريقيا، بحيث تصبح حصة أفريقيا من تجارة مصر الخارجية 20% مثلاً وأن تكون حصة أفريقيا من الاستثمارات المصرية الخارجية 30% مقارنة بالأوضاع المتدنية فى الوقت الراهن.

ولكن كيف يمكن أن تصبح مصر بحلول عام 2030 الشريك الأول لدول أفريقيا؟ هذا هو التخطيط الاستراتيجى. علينا أن نضع خطط وبرامج سنوية وخمسية، بحيث يقود إنجازها إلى إنجاز الرؤية بعيدة المدى المشار إليها أعلاه. علينا أيضاً أن نحدد المتطلبات المادية والبشرية اللازمة لإنجاز برامج تلك الرؤية. كما أن علينا أن نجرى تقييماً سنوياً لمستوى الأداء لنتعرف على حجم الإنجاز وأبرز المعوقات حتى يمكن تجنبها فى العام التالى، بما يصب فى نهاية الرحلة فى اتجاه إنجاز الهدف بعيد المدى.

إنه العلم ولا شىء غير العلم. فبالعلم وحده سنبنى مصر الجديدة، وبالتخطيط العلمى - سواءً تجاه أفريقيا أو تجاه مشكلاتنا الداخلية – سنضمن الانطلاق بمصر نحو مستقبل مشرق إن شاء الله. وأنا عندما أتحدث عن التخطيط الاستراتيجى لمستقبل العلاقات المصرية الأفريقية فإنما أنطلق من تجارب ناجحة لكل من الصين وماليزيا.

فالصين – على سبيل المثال- لا تتحرك اعتباطاً فى أفريقيا، وإنما من خلال تخطيط مدروس، ولكن الفارق بيننا وبين الصين هو أن الصين ذات توجهات استنزافية تجاه أفريقيا. فهدفها الرئيس هو استنزاف موارد تلك القارة، وخاصة من المعادن المختلفة، لتغذية مصانعها العطشى للمواد الخام، لتتولى بعد ذلك تصديرها فى صورة منتجات نهائية إلى مختلف دول العالم. ولهذا لم يكن غريباً - بالنسبة لى كباحث - أن أرى الصين لديها فائض تجارى مع كافة دول وقارات العالم باستثناء أفريقيا! فالصين لديها عجز تجارى مع أفريقيا، أى أنها تستورد من أفريقيا أكثر مما تصدر لها. أعتقد إن هذا مؤشر بالغ الدلالة على مقاصد التنين الصينى!

ولهذا شرعَت الصين فى الدخول فى مشروعات بعشرات المليارات فى أفريقيا. فمن حسن حظى أننى أتيحت لى فرصة زيارة السودان عام 2008 أثناء تكريمى عن بحث فاز بجائزة عربية آنذاك، وبعد التكريم قاموا بأخذنا فى رحلة بالطائرة إلى شمال الخرطوم بنحو 200 كيلو متر إلى منطقة تسمى مِروِى، حيث يقام سد ضخم على النيل.

الشاهد هنا أننا منذ أن هبطنا بالطائرة إلى منطقة بناء السد وجدنا أنفسنا فى مستعمرة صينية! فقد وجدنا فى هذه البقعة القاحلة خلية نحل من نحو 5000 عامل صينى، يعكفون على بناء سد ضخم على النيل. لا يمكن لأحد أن يدعى أن الصين تقيم هذا السد من أجل سواد العيون السودانية! إنها المنافع الكبرى المتوقعة والمترتبة على بناء هذا السد. ما قيل بالنسبة لسد مروى يقال بالنسبة لباقى المشروعات الصينية الاستراتيجية فى أفريقيا.

السؤال أين نحن من أفريقيا؟ بالطبع كنا غائبين أو مغيبين، حتى لفظتنا أفريقيا وكادوا يحجبون عنا مياه النيل! كان طبيعيا أن يقابل تعالينا وتجاهلنا لهم بردة فعل عكسية. ومن ثم، إذا كان هناك من لوم فإنه موجه للإدارات المصرية الفاشلة على مدى العقود الماضية.

لايمكن أن نستمر فى التعامل مع أفريقيا من خلال نظام القطعة والمسكنات. فهذه الأساليب الفاشلة ولى زمنها. آن الأوان لأن نتحرك تجاه قارتنا تحركا علمياً مدروساً، لابد وأن نشعرهم بأننا لا نستهدف استنزافهم وإنما بناء علاقات استراتيجية بعيدة المدى تصب فى صالح الطرفين. فمصر يمكن أن تشكل نافذة أفريقيا على المتوسط، ومن ثم باقى قارات العالم، ولكن تحقيق هذا الهدف يستوجب أدوات جديدة تماماً.

مؤكد أن مكاتبنا التجارية فى كافة الدول الأفريقية بحاجة إلى تطهير شامل وكامل. بل إن سفاراتنا فى كافة دول العالم بحاجة إلى تطهير شأن باقى مؤسسات الدولة التى لم يكن يتم التعيين فيها بناءً على معايير الجدارة والكفاءة. علينا أن نبقى على من تتوافر فيه معايير الجدارة ونريح مصر ممن عكفوا على التجارة بها ونهبها.
وقد أشرت إلى مكاتبنا التجارية لأنها هى همزة الوصل، ومصدر المعلومات والبيانات والدراسات بشأن مختلف الدول الأفريقية، التى سيتم إرسالها إلى متخذ القرار هنا فى مصر، ليتولى بدوره وضع الرؤية المستقبلية بناءً عليها.

فأتمنى من حكومة مصر الجديدة أن تشرع فى وضع رؤية بعيدة المدى لمستقبل آفاق التعاون بين مصر ودول القارة، بحيث نحدد أهدافاً محددة من الآن لعام 2030م – مثلاً – بحيث نعكف على تنفيذها وفق منهج علمى مدروس..اللهم بلغت اللهم فاشهد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة