لأننا لم نشهدها ولم نمارسها من قبل، فتجد الكل يتخبط، وكأنه تناول لتوه قرصاً مخدراً، فالديمقراطية بمعناها المُبسط هى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، ولكننا وجدنا أن لها معنى آخر فى مصر "أم الدنيا"، وهو أن يتحقق ما أريده، وإن لم يحدث فليس هناك ديمقراطية على الإطلاق، فكل شخص متشبث برأيه، وأن من يخالفه لابد أن يقام عليه الحد لأنه خائن وعميل، ذلك لأننا حديثو عهد بالديمقراطية.
وعندما يخرج علينا ذلك الشخص المدعو "عكاشة" لمجرد خلاف فى وجهات النظر يخاطب الشعب الإسرائيلى- عدونا الأول- ويقول له، إن وجود مرسى رئيساً لمصر لن يجعلك تعيش آمنا مستقرا، ثم يأتى المستشار الزند، رئيس نادى قضاة مصر، ليمدحه ويقول، أنت الذى تفيض وطنية وصدقاً، وسر على بركة الله، والله يرعاك برعايته، وأنت فى قلوبنا، وأنت فى أفئدتنا، فاعلم أننا حديثو عهد بالديمقراطية.
ويبدو أن طول فترة الاستبداد التى عاشها المصريون، وخضوعهم للقهر والاستكانة من قبل حكامهم طيلة عشرات السنين، جعلت من الصعوبة على البعض أن يتقبل فكرة أن يكون حراً يملك زمام أموره، فالبعض تراه ساخطاً على الثورة، تلك التى أقلقت راحته وأيقظته من سباته العميق، ولا يريد غير الاستقرار والأمن، وخلينا نشوف مصالحنا، ولا يفكر سوى فى نفسه، ولا يرى إلا ما تحت قدميه، فترى هذا التخبط بين الناس الذى لا نحسد عليه، لذلك نحن حديثو عهد بالديمقراطية.
حينما تفقد الثقة فى كل من حولك، فى رموز القضاء والقانون الذين تربينا على أحكامهم وكتبهم ومراجعهم، فتجد القضاء قد أُقحم فى السياسة، ولم ينجْ من سموم براثنها. وفى قادة جيشنا المغوار الذين علمونا مبادئ التضحية والفداء من أجل الوطن، وقد تشبثوا فى السلطة التى أغوتهم بسحرها، وقد أدلى الجميع بدلوه فى بئر السياسة العكرة ماؤه، ولم تعد تفرق بين من يريد مصلحة وطنه ممن يتبع هوى نفسه، فاعلم أننا حديثو عهد بالديمقراطية.
ولما تجد الشعب يمارس أولى خطوات الديمقراطية بعد ثورة عظيمة، ويختار نوابه فى مجلس الشعب، ثم تقوم المحكمة الدستورية بحله استناداً إلى احترام القانون، وهم أنفسهم من أجلوا أحكاماً لسنين بحجة المواءمة السياسية، وعندما تفقد الثقة فى انتخابات رئاسية، ولا تطمئن لإعلان النتيجة التى يفرزها الصندوق الانتخابى، ذلك لأن هناك قوى مازالت تتحكم فى سلطات الدولة، فتأكد أننا حديثو عهد بالديمقراطية.
لا توجد ديمقراطية إذاً من دون شعب واعٍ مثقفٍ، ولا يوجد ديمقراطيون من دون عقول متفتحة وتربية وعلاقات ديمقراطية. وهذه لا تكون من دون ثورة ثقافية، وإصلاح دينى، وإعادة مفاهيم المجتمع التى عاش عليها لسنوات، وتحقيق ذلك يحتاج لوقت ليس بالقليل، وإن كنا نريد جنى هذه الثمار الطيبة، فعلينا تحمل الأعباء التى تواجهنا، فنحن حديثو عهد بالديمقراطية.
