د. بليغ حمدى

فَضَائِلُ شهْرِ رَمَضَان

الجمعة، 20 يوليو 2012 10:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى صوم رمضان خصيصة رفيعة ليست فى غيره من العبادات، وهى أن صومه مقرون بالله تبارك وتعالى، حيث يقول رب العزة: "الصوم لى وأنا أجزى به"، ولهذا الشهر العظيم منزلة كبيرة غالية فهو الشهر الذى أنزل فيه القرآن الكريم دستور المسلمين فى شتى بقاع المعمورة، واختص هذا الشهر بليلة القدر، وفيه كتب على المسلمين فريضة الصيام، يقول تعالى فى محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وللصوم معنيان، معنى لغوى يشير إلى الإمساك كما فى قول الله تعالى عن مريم عليها السلام: (فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26))، والصيام فى الشرع يعنى الإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بشرائط وضوابط خاصة ومضبوطة، أما الصيام من حيث كونه عبادة فهو فرض على أمة الإسلام كما فرض من قبل على أهل الملل السابقة الموحدة بالله تعالى.

وأكد الله عز وجل اختصاص شهر رمضان بالصوم لأنه الشهر المبارك العظيم الذى أنعم فيه على عباده المتقين بأفضل وأجل نعمة إلهية معجزة، وهى نعمة نزول القرآن الكريم، يقول تعالى :(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)).
ومن رفعة هذه العبادة الروحية أن الدعاء فيها لا يرد وإذا كان الدعاء مستحبا فى كل وقت وحين فإن هناك من الأوقات والأحوال يكون فيه الدعاء أرجى للقبول والله أعلى وأعلم، ومن هذه الأحوال حال المرء وهو صائم، ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) يرشدنا إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضى الله عنهما) أن النبى (صلى الله عليه وسلم ) قال: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" (رواه ابن ماجه)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً فى بيان أهمية ومنزلة الدعاء للصائم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم".
وشهر رمضان له مكانة فى الإسلام لا يضاهيها شهر آخر لما له من فضائل على المسلمين فرداً ومجتمعاً، فمن أعظم علامات الرحمة فيه أن الله عز وجل يفتح أبواب الجنة ويغلق أبواب النار ويصفد الشياطين، عن أبى هريرة (رضى الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" (رواه مسلم) .وللعلماء آراء فى تفسير هذا الحديث جديرة بالذكر؛ فمنهم من قال يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين هم مسترقو السمع منهم، وأن تصفيدهم يقع فى ليالى رمضان لأنهم منعوا فى زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التصفيد مبالغة فى الحفظ. وقال بعض العلماء، إن فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فضل الصائمين، وأنه من الله بمنزلة عظيمة كريمة.

ولصوم رمضان فضائل وفوائد عديدة حيث إن الصوم فى حقيقته كعبادة وفريضة بدنية فى المقام الأول إلا أنها تحقق رفعة ورقياً للمسلم، حيث ترفعه من حضيض الحيوانية إلى المستوى الذى ارتآه الله تبارك وتعالى له، ويذكر العلامة محمد فريد وجدى فى كتابه من معالم الإسلام أن هناك حكمة فى تدخل الإسلام الحنيف فى أمر التغذى، حيث إن الجسم والروح مترابطان فى هذه الحياة، والروح جوهر كريم لا تكدره الأعراض، ولكنه مودع فى هذا الغلاف المادى، وهو الجثمان، لا يسمح له أن يتصل بالوجود إلا من خلال الحواس التى جعلت فيه، ولا أن يدرك منه ما يدركه إلا بواسطة المادة المخية التى جعلت أداة للإدراك، ولما كان هذا الجثمان مخلوقاً من التراب فهو عرضة لكل ما يعتور الأجساد المادية من الآثار، وأد ما يصيبها منها ما ينصب عليها من ناحية الغذاء، لذلك كانت حاجة الإنسان ماسة إلى تعهد جسده بالمطهرات والمزكيات وليس منها ما هو أفعل فيه من الصيام.
ورغم أن الصيام رياضة جسدية إلا أن فوائدها الروحية والانفعالية أجدى وأبقى أثراً؛ فإذا كان المسلم يمسك عن الطعام والشراب وكافة الشهوات التى بالإفراط فيها تصيب الإنسان بحالات مستدامة من اللذة المؤقتة والقلق والغيرة وربما بعض الاضطرابات البعيدة عن النضج والاستواء، فإن الصيام يحقق للمسلم الاعتدال فلا يكون المرء ضعيف التاثر متبلداً ولا سريع التأثر يثور لأتفه الأسباب التى تؤججها رغباته وشهواته، وهو وسيلة راقية لتهذيب النفس وتحسين الخلق، لأنه يجعل الإنسان فى عبادة مستمرة معظم الوقت الذى يكون فيه مسيقظاً، كما أن الصوم يمنع المرء من اللغو فى الكلام ومن البذاءة فى اللسان وفى هذا كله تربية روحية للمسلم، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنى صائم، إنى صائم" .
والمتدبر فى فريضة الصوم يدرك على الفور فاعليتها فى سمو الإنسان ورقيه فوق شهواته كما أن هذه الفريضة تكسبه فضائل كالصبر والنظام وتحمل المشقة والصعاب، بالإضافة إلى تربيته على قوة الإرادة، فالذى يقاوم دوافعه الفطرية إلى الطعام والشراب والملذات والشهوات يصبح قوى الإرادة، يملك نفسه ويسيرها على طريق الشرع.
وما أفجع ما نراه فى السنوات الأخيرة بعد أن تحول شهر رمضان إلى احتفالية بعيدة تمام البعد عن الإسلام الحنيف فوجدنا السمر والسهر بغير طاعة أو عبادة وتوسعا فى المطعم والمشرب ونوم النهار بطوله وغير ذلك من المفجعات التى تضرب صدر الشريعة، وهذا كله عبث وخروج على طاعة الفريضة السمحة التى جعلها الله لعباده طوق نجاة من الشرور والشهوات المهلكة.

ولكن لماذا كان الشكر بالصيام واجباً عن بقية العبادات؟ الإجابة باختزال شديد هو أن الإنسان مكون من روح علوى وجسد سفلى، والجسد له مطالب من جنس عالمه السفلى، والروح لها مطالب من جنس عالمها العلوى، وفى ذلك يقول أستاذى وشيخى الجليل الدكتور زين شحاتة أستاذ التربية الإسلامية وعلومها فى كتابه الماتع: "على مائدة الصيام فى شهر القرآن"، إنه عندما يحكم الإنسان جانبه الروحى العلوى فى جانبه الأرضى السفلى، ويغلب أشواق الروح على نوازع الجسد يصير ملاكاً أو خيراً من الملاك، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7))، فبالصيام تقترب روح المؤمن المسلم من النورانية وتشع فيه الملائكية، ويتغلب جانب النور فيه على جانب الظلمة والشهوة.

وقد أشار إلى ذلك الإمام الشيخ أبو حامد الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين" بقوله: "المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدانية والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات بحسب الإمكان، فإنهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبة فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك فى الشهوات انحط إلى أسفل السافلين، والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة".

وشهر رمضان ونحن نستقبله يجب علينا أن نقتنص كل لحظة فيه من الطاعات، حيث إنه فرصة عظيمة وموسم للتائبين، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب واحد الشهر كله، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب الشهر كله وتململت عتاة الجن، ونادى مناد من السماء كل ليلة إلى انفجار الصبح، يا باغى الخير يمم وأبشر، ويا باغى الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر يغفر له؟ هل من تائب يتوب الله عليه؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟".

ومن فضل الله علينا فى هذا الشهر العظيم ليلة القدر خير عطاء إلهى للمسلمين، يقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) {، وهذه الليلة فيها سلام من الله تبارك وتعالى وسلام من الملائكة النازلين وهم يسلمون على كل مؤمن ومؤمنة، وهى سلام للمؤمنين الموقنين ولعظمة هذه الليلة حث النبى (صلى الله عليه وسلم) على قيامها، فعن أبى هريرة (رضى الله عنه) عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة