طه أمين يكتب: القانون بين دولتين

الجمعة، 20 يوليو 2012 11:20 م
طه أمين يكتب: القانون بين دولتين المحكمة الدستورية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يدخل القانون فى حياتنا ويتغلغل فيها حتى قبل أن نولد.. فالعلاقة القانونية بين الأب والأم ينتج عنها قانونية ميلاد الأبناء وصحة نسبهم وقيدهم فى دفاتر المواليد الذى هو عمل قانونى يترتب عليه حصولنا على مستندات تضمن لنا قانونية الانخراط فى مراحل التعليم المختلفة، ونحصل بها على بطاقات هوية تحفظ لنا شخصية قانونية نتعامل بها مع الدولة والأفراد فى معاملات البيع والشراء و الزواج والتقاضى ... وحتى لحظة الموت يترتب عليها قانوناً تحديد أسباب الوفاة ومحاسبة من كان سببا بها - إن كانت ناتجة عن حادثة - وتوقيت الدفن والتصريح به والورثة ونسبهم من الميراث وغير ذلك.

خلاصة القول أن القانون موجود ونحن نتعامل معه ونتعامل من خلاله حتى ولو لم نكن دارسين له، مدركين لفلسفة وجوده وعموميته.

بناء على تلك المقدمة يمكننا الدخول فى موضوع الجدل الذى دار فى مصر طوال أسبوع كامل حول القبول بحكم المحكمة الدستورية فى شأن البرلمان المطعون فى دستورية وجوده.

وهنا نتوقف أمام حالة عجيبة أشد العجب، فرغم وضوح قرار المحكمة فيما يخص انعدام وجود المجلس من الناحية القانونية والدستورية، ورغم تبيان ذلك بشكل لا لبس فيه سواء أكان فى منطوق الحكم أو تفسيره، رغم كل ذلك فإن الإعلام فتح أبوابه على مصراعيها لرجال القانون ليدلى كل منهم برأيه فى حكم المحكمة - الذى هو واضح وضوح الشمس - وهنا وجدنا تفسيرات تتحرك من النقيض إلى النقيض، بين من يرى صحة حل المجلس بناء على الحكم، ومن يرى أن الحكم لا يدعو للحل برغم أنه حكم ببطلان القانون الذى جرى عليه انتخاب المجلس، الأمر الذى يستوجب الحكم بانعدامه كأن لم يكن، ووصل التطرف بالبعض إلى حد تدبيج مقال عن طغيان المحكمة الدستورية، والطعن فى دورها، والقانون الذى أُنشئت من أجله، بل والمطالبة بعدم الالتفات لها ولأحكامها، وعدم تنفيذ الأحكام الصادرة عنها تمهيدا - ربما - لإلغائها فهى - حسب زعمهم - ميراث نظام بائد، وكأننا الوحيدون الذين أنشأوا مثل هذا الصنف من المحاكم أو كأنها إختراع من اختراعات النظام البائد.

يا أيها السادة الكرام، إن القانون - الذى هو موجود فى حياتنا من قبل لحظة الميلاد إلى ما بعد لحظة الموت - هو الضمانة الوحيدة لاستقامة حياتنا وأمنها، ولا يجوز فى القانون تفسير ماهو مفسر بذاته، فإذا قال قانون إنشاء المحكمة الدستورية أن دورها هو الفصل فى دستورية القوانين، فهذا هو دورها بالضرورة، وإذا قال القانون إن "أحكامها نافذة بذاتها"، فهذه هى آلية التنفيذ، وإذا قال القانون أنه "لا يمكن الطعن على أحكامها"، فهذا هو مصير أحكامها وصحتها، فالقوانين لا تُعلَن للإخبار أو الإعلام وإنما تعلن كأوامر واجبة التنفيذ، فإذا نص القانون على أن "نشر القوانين يكون فور صدورها"، فإنه لا يتحدث عن عادة تاريخية تناقلها الأولون إنما هو يحدد للمختصين وواضعى القوانين أمرا بضرورة نشرها على الكافة وإلا أصبحت فى حكم المعدومة، كذلك إن عبارة "ممنوع التدخين" لا تحمل فى طياتها وصفا لحالة وإنما هى أمر واضح بقوة القانون بعدم التدخين فى هذا المكان......

الخلاصة: إن النصوص القانونية فى أصلها تحمل أوامر واضحة واجبة التنفيذ، لا مجال فيها لتفسيرات تخضع لإنتماءات سياسية أو ميل لتيار أو اتجاه نحو فكر دينى بذاته..... وهنا تكون الطامة الكبرى...... فتدخل الهوى فى تفسير أحكام القضاء يفضى بنا إلى إسقاط دولة القانون بما يؤدى الى إشاعة الفوضى أو إقامة قوانين مختلفة ذات فلسفة قانونية مختلفة، تمهيداً لتأسيس دولة أخرى غير التى نعرفها تحكمها شريعة أخرى غير تلك التى نعرفها واستقر الأمر عليها منذ زمن، فى بلادنا وفى بلاد أخرى كثيرة....... إن الاستناد إلى مفهوم الشرعية الثورية - وهى كلمة حق يراد بها باطل - فى ضرب القوانين وضرب القضاء وإسقاط مفهوم احترام القضاء، والالتفاف على الطرق التى وضعها القانون بذاته للطعن عليه، إن كل ذلك يبدأ بالضرورة من ضرب الرأس التى هى المحكمة الدستورية التى هى فى الأصل المعيار الوحيد لدقة القوانين وضمان عدالتها، وبدونها يسهل إسقاط القانون أو الالتفاف عليه...... يا سادة: إذا كنتم تؤسسون لدولة القانون، فهذا هو القانون وذلكم هو معياره وتلك هى دولته..... أما إن كنتم تؤسسون لدولة طالما حلمتم بها تهدمون قبل بناءها دولة القانون المعتبرة والمستقرة، فعليكم أن تقولوا ذلك علانية ليعلم من اختاركم إلى أى منقلب نحن منقلبون.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

ايمى

عندك حق

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة