عندما أتأمل واقع الأحداث السياسية التى تمر بها مصر حاليًا تسيطر على علامات الدهشة والذهول من هول ما أجده من تصرفات وألمسه من مواقف يصعب تبريرها أو تفسيرها وفقًا للمتفق عليه من الناحية العلمية أو حتى على ضوء النماذج التاريخية الناجحة فيما يتعلق بكيفية بناء الأوطان، وإعادة انبعاث الأمم، وصنع الحضارات. ولعل أشد ما يدهشنى من تلك المواقف ما تأتيه التيارات والحركات الدينية - بصفة عامة - وجماعة الإخوان المسلمين - بصفة خاصة - من قرارات سياسية لا تعكس من الوهلة الأولى سوى قصر نظرهم السياسى وضحالة رؤيتهم وسطحية تحليلاتهم للأمور.
نلحظ ذلك بصورة جلية من خلال تمسكهم – مع بعض القوى والإتلافات الثورية قليلة الخبرة - ببعض الأمور الإجرائية والشكلية وانشغالهم بها عن القضايا الموضوعية الحيوية التى تشغل بال كل حريص على أمن وسلامة ومستقبل هذا الوطن.
وأبرز الأمثلة على ذلك: إصرارهم وتمسكهم بعودة مجلس الشعب الذى حكم بعدم دستورية النصوص التى تم انتخابه بمقتضاها، المطالبة بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، إبعاد المؤسسة العسكرية ممثلة فى مجلسها الأعلى عن الحياة السياسية، إلى غير ذلك من أمور أجدها لا تمثل أهمية ذات قيمة بالنسبة لمستقبل الدولة المصرية التى حلمنا بها طوال الفترة الماضية.
ولتوضيح تلك الرؤية أقول أن ما أنجزناه حتى الآن- على الرغم من محدوديته - يعد كافيًا مرحليًا للبناء عليه إذا ما خلصت النوايا وأقصد هنا التيارات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين والتى تعد أول من جنى أولى ثمار ثورة الخامس والعشرين من يناير (بفوز مرشحها بأول انتخابات رئاسية عقب الثورة فضلاً عما حصدته من نسبة كبيرة فى الانتخابات البرلمانية)، الأمر الذى أدى إلى حدوث تحول جوهرى– عكسى- فى مواقفها وأولوياتها وأصبح شغلها الشاغل الآن ترسيخ بقائها فى السلطة، ومحاولة إخضاع أكبر نسبة من المناصب التنفيذية والحقائب السياسية لسيطرتها دون أى إلتفات من جانبها لما ينطوى عليه ذلك من مخاطر جسيمة.
هذا الاستغراق من جانب جماعة الإخوان المسلين وحزبها بالمصالح الحزبية الذاتية انعكس على كفاءة أدائها لدورها الذى روجت له قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية من خلال حديثها عن برنامج أو مشروع النهضة، والوعود التى قطعتها على نفسها.
وللتدليل على سلامة التحليل السابق، نسوق مثال بسيط يتمثل فى قرار الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بعودة البرلمان بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا إذ لا يمكن أن تفسر تلك الخطوة بعيدا عن كونها محاولة لتكريس الاستحواذ بهدف ضمان البقاء من خلال الهيمنة على صياغة الدستور المرتقب على نحو يضمن استمرار جماعة الإخوان المسلمين- من خلال حزبها- فى مقدمة المشهد السياسى وعلى قمة هرم السلطة التنفيذية.
هذا المسلك وإن كان لا غبار عليه إعمالاً لقواعد الديمقراطية فإننى أرى عدم سلامته من الناحية الإستراتيجية، نظرًا للظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد حاليًا كما أرى أنه كان من الأفضل لجماعة الإخوان المسلمين أن تغلب مصلحة الوطن عما عداها، وأن تتجه من أول يوم ( بدلاً من الخوض فى صراعات حول حجم الاختصاصات المتاحة... إلخ) نحو انجاز أى تقدم فى المجال الاقتصادى تحديدًا والذى تمتلك فيه سلطات مطلقة دون غيره من المجالات الأخرى - مع إقرارنا بأهميتها - لأن أى إنجاز ملموس أو ملحوظ فى هذا الملف الصعب دون غيره سيضمن لحزب الحرية والعدالة البقاء فى السلطة وسحب أى مقاومة له من القوى والأحزاب المنافسة بما فى ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى سيصعب عليه آنذاك أن يخرج على الإجماع الشعبى والتأييد الجارف لأى رئيس أو حزب يحسن الأوضاع الاقتصادية والأمثلة على ذلك كثيرة (تركيا على سبيل المثال)، لاسيما أن الشعارات التى رفعتها ثورة 25 يناير ترتبط جميعها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالأوضاع الاقتصادية.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة