ترددت كثيرَا فى الكتابة إليك كى أعاتبك عما صدر منك آنفًا من تصريحات أَتْبَعَتْهَا سياسات داعمة لإسرائيل (للتذكرة: إسرائيل دولة انتحلت من اسم نبى من أنبياء الله اسمًا لها.. واغتصبت مقدساتٍ وشعوبًا وأراضٍ وأعراض بنى آدم أبو البشر أجمعين).
ومن أسباب ترددى فى الكتابة إليك إننى وثلة من محبى الإنسانية جمعاء، كنا نعقد عليك آمالاً كبيرة فى جبر الحَيْفِ وتحسين صورة إدارة بلدك "المُتَصَهْيِّنَةِ دائمًا"، وإعادة الحقوق المغتصبة فى المنطقة العربية بصفة خاصة، وفى مناطق النفوذ الأخرى كافة، دون أن تفتقد بلدك ميزة إستراتيجية ذات بال، وذلك ببساطة من خلال استبدال عوائد القدرات والآليات العسكرية التدميرية بعوائد القدرات العلمية والثقافية والاقتصادية التى لم يضن المولى عز وجل بها على بلدك أيضًا. وإذا سعيتَ فى تحقيق ذلك ستصبح فى أعين الدول والشعوب المتحضرة "بيضة القبَّان" والرجل الرشيد، وتكون أهلاً لمنة الله عليك والتى لن تمنح فى المدى القريب لرجل فى مثل وضعك - ترجع أصوله وجذوره إلى شعوب أفريقية وإسلامية نهش الاستعمار الغربى ثرواتها وكرامتها عبر سنى الصراع من أجل التحرر كما حدث ببلدكم قبل حرب الاستقلال - وأصبح فى سابقة هى الأولى من نوعها رئيسًا لأكبر دولة فى العالم.
وازدادت الآمال فى تمكينك من تحقيق وعودك بعد حصولك على جائزة نوبل للسلام عام 2009م عقب توليك الرئاسة بعام فحسب، نظير مجهوداتك فى تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب فى وقت قَدَحَت فيه العديد من الدوائر السياسية فى منح مثل هذه الجائزة لمجرد النوايا وليس لأعمال على أرض الواقع، ولكن على أية حال ظننا أنك لن تُضَيِّعَ هذه الفرصة التاريخية، وانبهار معظم شعوب العالم بتجربتك وإصرارك على التغيير بكلمتك السحريَّة "نعم نستطيع" التى انتظر الكثيرون نتائجها، واعتبرك البعض "المسيح المُخَلِّص" لمعاناة الشعوب المستضعفة من ويلات حربين عالميتين لم تُمْحَ ندوباتها بعد، وإذا بنا نراك تنكص على عقبيك فتتحول إلى "نذير حرب" عالمية ثالثة أو حرب باردة جديدة لاحت بوادرها بموقف الإدارة الأمريكية الانتقائى من أسلحة الدمار الشامل فى منطقة الشرق الأوسط الداعم لإسرائيل "النووية"، والمناوئ والمحرض ضد إيران "المسلمة" حتى فى أحسن الأحوال التى أبدت الأخيرة فيها استعدادها للتعاون مع الجهود الدولية الرامية لحل تلك الأزمة، وتَشِى الأحداث بأن سياساتكم الرامية إلى تقسيم منطقتنا على أساس دينى مذهبى (سنى - شيعى) قد دُشِّنَت.
أما ثالثة الأثافى، فتتمثل فى تصريحاتكم ومواقفكم المستمرة الداعمة لحليفتكم إسرائيل على حساب حقوق الشعوب العربية والإسلامية، وآخرها تصريحكم الأخير، قبل زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية فى الخامس من مارس الحالى، المُخَيِّب لأمال الشعوب العربية التى تَطُوقُ إلى تنفس عبير الحرية والديمقراطية التى طالما عايرتمونا بافتقادها وأوهمتمونا برغباتكم فى إنفاذها، والتصريح نقلاً عن وكالات الأنباء يتضمن عبارات: "إن دعم بلادك لأمن إسرائيل مقدس... ضرورة مساعدة تل أبيب فى الحفاظ على تفوقها العسكري... إن التغيرات الجيو سياسية التى حملتها الثورات الشعبية فى العالم العربى والإسلامى منذ مطلع 2011م تتطلب التعاون مع إسرائيل لتأمين تفوقها العسكرى فى منطقة خطيرة للغاية، وهذا أمر صعب"!!.
وها أنا ذا قد قررت ألا أصبرَ عليك للحظة واحدة بعد اليوم، فقد تيقنت من "جملة أعمالك"، ومن موقف الإدارة الأمريكية على لسان وزير خارجيتك السيدة كلينتون فى زيارتها لمصر بتاريخ 14 يوليو - والتى تعد تدخلاً صريحًا فى شئوننا الداخلية وابتزازًا رخيصًا من خلال عرض الدعم المادى بنفس الأسلوب الذى كانت تنتهجه إدارتكم مع الرئيس مبارك المخلوع؛ لضمان أمن إسرائيل - أنك لم تصن نعمة الله عليك، وأضعت فرصة وُلُوجِ التاريخ من صحيفة "مُشَرِّفة"، وآثرت المكوث فى البيت الأبيض من خلال دعمك لإسرائيل فى غَيِّهَا مقابل دعمها لك فى حملتك الانتخابية، ولو على جثث وأشلاء أبرياء، منهم بالقطع أقارب وأناس من بنى جلدتك المطحونين فى القارة الأفريقية دون أن تدري، ولو اعتبرتنى صديقًا مخلصًا لك، ولاسيما أننى سَمِى أبيك، لنصحتك بأن تخوض غمار حملتك الانتخابية مدعومًا بمحبى السلام لا بدعم قتلة الأطفال وسماسرة الحرب، وإن لم تفز حينئذ - وأنا لا أتوقع ولا أتمنى هذا - فإن خيرًا لك أن تعودَ إلى صفوف المواطنين الشرفاء المجتهدين وأنت محاط بتقدير ومحبة واهتمام الشرفاء والمظلومين فى العالم بأثره، وتقومَ بزيارة أقاربك وأصدقائك فى إندونيسيا وكينيا!، وتُقَبِّلَ رأس جدتك التى تحبك ودَعَت لك بالفَلَاحِ إبان أدائها لفريضة الحج منذ ثلاثة أعوام، وتستطيع أن تُسعد زوجتك الحبيبة ميشيل وقرتى عينك ماليا آن وساشا، بمشاركتهم فى غرس وتزيين حديقة منزلك بالزهور، واصطحابهم إلى مطاعم هاواى لتناول العشاء والأيس كريم المُفَضَّل، وأنت مستريح البال بين أهل بلدك التى كنت تتمناها لا التى تُفْرَض عليك.
وعلاوة على كل ذلك، سوف يسجل لك التاريخ فى أول صحيفة لسجل الشرفاء والعظماء جهودك لخدمة الإنسانية والحرية، مع من كانوا قدوة لك مثل: بنجامين فرانكلين، ومارتن لوثر كينج، وإن لم تفعل فسوف يَزُجُّ أعداء السلام وأصحاب المصالح باسمك فى أول صحيفة للتاريخ مع من ستكون على شاكلتهم حينئذ من أمثال: نيرون، وهتلر وجورج بوش الابن.
وفى النهاية، لا يفوتُنى أن "أُبَشِّرَك" بأن الشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير أصبح رقمًا صعبًا فى المعادلة السياسية، ولن يَسْمَحَ - فى القريب العاجل - لإسرائيل أن تحقق أَطْمَاعَها فى المنطقة، ولن يَسْمَحَ لرئيس دولته المدنى المنتخب بأن يسير على نهج المخلوع أو أن يفرط فى السيادة الوطنية أو أن يُسَلِّمَ إلى بلدكم رعايا أمريكيين ملاحَقِين قضائيًا قبل انتهاء إجراءات محاكمتهم العادلة مثل: الجاسوس الأمريكى الإسرائيلى حاييم إيلان جرابيل، ونشطاء المجتمع المدنى الأمريكيين الذين مارسوا أنشطة مُجَرَّمَة فى بلدٍ "صديق" دون احترام لقانونه، و"أعدُك" بأن المجال الجوى المصرى لن تخترقه أى طائرة مرة أخرى حتى ولو كانت تابعة لأسطولكم.
وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.
المرسل: المواطن المصرى حسين حمودة مصطفى