من غير المعقول أن تشهد مصر هذا الحدث العجيب، ولا يعترض معترض، ولا يعلق معلق، ولا يمتعض قلب!
السيدة كلينتون تتحدث على أرض مصر وبين أبناء مصر المحروسة، وتضع ما تشاء من خطوط حمراء هنا وهناك، والكل يصفق ويعجب بالسيدة وبحديثها لا فض فوهها، ويدور الغمز واللمز ويسأل كل منا الآخر: أرأيت عندما قالت كذا كذا، إنها تدافع عن كيت وكيت وتقصد فلان وعلان.
هكذا بكل بساطة نتقبل أن تهدد أمريكا وتتوعد على أرضنا وبين جنبات بيوتنا. فهل قامت ثورة على طغيان لنقع بين براثن طغيان آخر؟
ثم تهرع إليها الوفود شاكية باكية، وتمنع الصحافة من الدخول حتى لا تطلق الصحافة لسانها، وتشى بالسر الذى يبثه مصريون لأمريكا ضد مصريين آخرين، فهل تأتى النجدة من أمريكا؟
وهل نصدق أنفسنا أم نضحك عليها، حين نعتقد أن أمريكا هى حقا راعية السلام ومنصفة المظلوم وزعيمة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان؟
أمريكا التى دافعت عن مصالحها فى تشيلى، والتى كانت تربح فيها الرأسمالية الأمريكية من مناجم النحاس والحديد، وأقامت فيها البنوك وشركات الاتصالات، فاغتالت مخابراتها سلفادور الليندى قائد تشيلى الذى رفع شعار "كوب لبن لكل فقير".
أمريكا التى كشفت عن وجهها الآخر فى كوريا، ثم فى الهند الصينية – فى فيتنام ولاوس وكمبوديا ـ ثم شاركت بأموالها وجهدها وسياستها فى إنشاء المستوطنات الإسرائيلية فى فلسطين.
أمريكا أفغانستان وجوانتونامو وأساليب القهر والتعذيب الحديثة بتقنية عالية وجودة بالغة.
أمريكا العراق وخديعة وقع فيها صدام بعد تصريح السفيرة إياها، ثم اجتياح العراق باسم امتلاكها لسلاح نووى خطير للغاية على جيرانها، تبين بعد ذلك عدم وجوده، وأن سبب الاجتياح فشنك، وبعدها خرج العراق من القرن العشرين عائدا للوراء.
أمريكا التى لم تعترض يوما على فساد آليات تولى مبارك للحكم التى لم تمت للديمقراطية بصلة، فلم تعترض على تعديلاته الدستورية المعيبة والمتكررة وانتخابات عهده المزورة التى اعتمدها أتباعه من أجهزة الدولة، ولم تعترض يوما على استنزافه لثروات مصر وعلى عمليات القتل والتلفيق الممنهج، وانعدام الحريات السياسية والرغبة العميقة فى توريث السلطة، وإهدار الحقوق وإشعال الفتنة الطائفية.
ثم تأتى أمريكا اليوم لتعلن – لغرض فى نفسها – من أرض مصر باحترام الديمقراطية، وتهرع الطوائف المختلفة لترتمى بين أحضانها وتشكو إليها همها. مصر أكبر من أن تقع بين براثن أمريكا ووزيرتها الفاضلة كلينتون.
هيلارى كلينتون
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة