احترام القضاء، تطبيق القانون، تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا.
رايات حق ترتفع على الألسنة، تستوجب أن نرفع من يجهر بتلك الرايات على الأعناق، إجلالاُ واحتراماً، ولكن قبل أن نرفعهم على الأكتاف نقف وقفة تأمل على أمل أن نضئ شمعة فى طريق الوعى.
هناك طائفة من الناس ترفع أصواتها بالحق، وتريد أن تحق الحق، وتتحمل تبعات كلمة الحق وإن كان ثمنها الروح والدم.
وهناك طائفة ترفع أصواتها بالباطل، وتروج له، وتحاول حمل الناس عليه، ولكل طائفة من الطائفتين مؤيدين ومناصرين، ولكليهما راية منصوبة ومعروفة.
وهناك طائفة ملتبسة ترفع رايات الحق، وهى تريد الباطل، وتعمل للباطل، وفى هذه الطائفة قال سيدنا على قولته المأثورة :"كلمة حق يراد بها باطل".
هذه الطائفة تمثل خطراً كبيراً على المجتمع قد يفوق خطر الطائفة الثانية، لأن أخطر ما فيها أنها تستقطب طائفة من أهل الحق بشعاراتها لخدمة الباطل الذى تريده.
وكم فى تاريخنا من رايات حق رفعها المغرضون وامتطوا بها ظهور أهل الحق المغرر بهم للوصول إلى مآربهم.
وحتى لا يصير أهل الحق مطية لأصحاب الأغراض، عليهم أن يدققوا جيداً فيمن يرفع رايات الحق، والنظر فى تاريخه، وفى أهدافه، حتى لا يكونوا جسر الغفلة الذى يعبر عليه أصحاب الأغراض.
فحوار الساعة الآن حول هذه الرايات المنصوبة، وتسمع من شيوخ القضاء الرأى والرأى المعاكس فى نفس المسألة، ولكن المثير للدهشة عندى أن هذه الرايات المنصوبة تذكرنى بقول المفكر الإيرانى الراحل "على شريعتى" فى كتابه "النباهة والاستحمار" (وهو عنوان معبر عن الفكرة التى نتحدث عنها):
(عندما يشب حريق فى بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة، ينبغى عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، فالاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر، ما هو إلا محاولة استغفال، حتى وإن كانت الدعوة إلى عمل مقدس وهو الصلاة.)
وبالتبعية، حين يدعونى أحدهم بدعوى احترام القانون أن أترك الدولة خراباً بلا مؤسسات .وأهدر المؤسسة التشريعية التى اختارها ثلاثون مليوناً من المصريين فى أول تجربة انتخابية نزيهة بعد سنين من حكم العسكر، ذا بخلاف ما أهدر فيها من أموال، وأسلم صلاحياتها إلى مجلس عسكرى، هو نفسه من أوعز ونفذ حكم الحل. فلا يمكن أبداً أن أعتبر هذه دعوة بريئة.
اعذرنى يا رافع راية الحق، قبل أن أسير وراءك سأسأل عن تاريخك هل رفعت راية الحق يوم أن كان لها ثمن من دمك ومالك وأمنك ؟
هل رفعت راية الحق تريد بها الحق أم تريد بها المنافسة السياسية والمراوغة فقط بالراية؟
هل الحق الذى تدعونى إليه هو الماء الذى يطفئ حريق بيتى أم ترك البيت يحترق وأنت تحدثنى عن إزالة الطابق المخالف للقانون؟
فقط أردت أن أضىء بمقالى شمعة فى طريق الوعى حتى لا يكون أهل الحق مطية لأطماع المغرضين.
