جميل أن تكون حراً طليقاً، لا يقيدك انتماء حزبى أو دينى، ولكن تحكمك قيمك التى تربيت عليها، ومبادئ دينك وتاريخ بلادك. قيمة حرية الفكر لا يدركها أو لا يستشعرها إلا الأحرار! فقبل الثورة بسنوات، كتبت فى الوفد وفى غيره، ولكننى لم أخضع أو لم تغرينى دعوات الانتماء لأحزاب بعينها، وخاصة الحزب البائد. كنت أكتب بحرية، ما يميله على ضميرى ومصلحة بلادى. كم أنا فخور بأن الأيام أكدت على أننى، شأنى شأن ملايين الشرفاء من أبناء هذا الوطن، لم أكن على خطأ وأن الأيام دارت على من كانوا يتهكمون علينا!
الكاتب الحر هو فى اعتقادى شأنه شأن النحلة، التى تتنقل بين الأغصان، فتلتقط الرحيق من أى غصن نضر، وتبتعد عن الأغصان غير المثمرة. هكذا الكاتب الحر، لا يقيده انتماء حزبى أو دينى أو سياسى. فينقد عندما يكون هناك محل للنقد، ويعضد ويشيد عندما يكون هناك محل للإشادة. ولكن أن يُقزِم الكاتب نفسه، وأن يعجز عن نقد التيار الذى ينتمى إليه فى موضع يستوجب النقد، فهذا ليس بكاتب وإنما هو ترزي، يفصل كتاباته لتتناسب مع التيار أو السجن الذى وضع نفسه فيه!
ومن هذا المنطلق، أرى أن الواجب يحتم على - كمصرى حر - الإقرار أولاً بأن المجلس العسكرى، وهو من اسمه "مجلس عسكرى" وليس مجلسا ضالعا فى السياسة وعالمها، ارتكب أخطاءً كثيرة خلال الأشهر التى تولى فيها إدارة شئون البلاد عقب قيام الثورة.
بالطبع أنا لا أبرر تلك الأخطاء، ولكن علينا أن نزن تلك الأخطاء ونضعها فى إطارها التاريخى وفى إطار الظروف التى عاشتها وتعيشها البلاد. فمصر عقب الثورة شهدت صعوداً فى تيارات وتوجهات حبسها النظام البائد لعقود، ولهذا كان الوضع أشبه بموجة شديدة ضربت الشاطئ، لذا أتت تلك الأخطاء فى إطار تلك الظروف غير الطبيعية، والتى نادراً ما تتكرر فى حياة الشعوب.
مؤكدا أنه كان هناك شد وجذب، وهناك أخطاء لا يمكن تجاهلها ارتكبها المجلس العسكرى، مثل إصدار الإعلان المكمل. ولكننا لو أمعنا النظر، وبموضوعية تامة، سندرك أن الجميع كان يسعى لحماية نفسه، خاصة وأن الجميع كان قد أشهر أسلحته، وكان هناك وعد ووعيد من كل الأطراف. فى هذه البيئة المرتبكة، عليك أن تتوقع أخطاء من هذا الطرف أو ذاك، والمجلس العسكرى ليس استثناءً فى هذا الخصوص.
إلا أننا رأينا قادة المجلس العسكرى يعلنون - من اليوم الأول - بأنهم مؤمنون بالثورة، وماضون لتحقيق أهدافها، كما أنهم ملتزمون بتسليم البلاد إلى حاكم مدنى منتخب من الشعب.
وها هى الأيام مضت، وأجريت الانتخابات، وانتخب الدكتور مرسى رئيساً لمصر، والتزم قادة المجلس العسكرى بعهدهم، وسلموا البلاد للرئيس المنتخب. نعلم جميعاً صعوبة قيام من بيده السلطة بتسليمها لغيره، فما بالنا برجال الجيش! لقد توقع الكثيرون نكوص الجيش عن وعوده، ولكن ها هم يضربون المثل من جديد، ويعلموا العالم أن بمصر جيش حمى الثورة (رغم أخطائه)، وقاد المركب إلى أن سلمها بيديه إلى الرئيس المنتخب.
فأقول – وللتاريخ – أنكم يا رجال ويا قادة القوات المسلحة دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه. فهنيئاً لكم، وهنيئاً لأبنائكم وأحفادكم، الذين سيفخرون بكم جيلاً بعد جيل. بل هنيئاً لنا كمصريين أن يكون لدينا رجال أمثالكم. سيذكر التاريخ أنكم سلمتم البلاد لحاكم منتخب فى وقت كانت فيه الجيوش فى الدول العربية الأخرى تمعن فى القتل والتنكيل بأبناء تلك الدول.
لقد علمتم العالم الكثير والكثير، بل أبهرتم العالم خلال رحلتكم فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر. لقد صبرتم على الانتقادات التى وصلت فى بعض الأحيان إلى حد الاتهام بالخيانة، ورغم ذلك مضيتم فى رحلتكم غير عابئين. ادخلوا التاريخ من أوسع أبوابه هانئين مطمئنين. فارق كبير بين من يدخلون التاريخ ومن يُلقى بهم إلى مزبلة التاريخ. وها أنتم اخترتم مكانكم اللائق بكم وبتاريخكم وببلدكم، لتعود مصر لتواصل رحلتها فى تعليم البشرية من جديد.
د. رضا عبد السلام
قادة المجلس العسكرى...لقد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه!
الثلاثاء، 17 يوليو 2012 06:50 م
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دعاء
شكرا لك
عدد الردود 0
بواسطة:
صيام
انى صائم
عدد الردود 0
بواسطة:
ثروت علي
كفر صقر شرقيه