محمد إبراهيم الدسوقى

هكذا نهلك مصر

الإثنين، 16 يوليو 2012 06:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من بين أمارات صحة وعافية الأمم خلال المراحل اللاحقة على الثورات الشعبية، تخلصها تباعا من عاهات وآفات لطالما شوهتها فى أزمنة الانحدار والترهل، وجففت منابع مواهبها، وقدرتها على التجديد، والخروج من الأزمات بيسر. غير أن مصر الثورة، كُتب على جبينها السير فى الاتجاه المعاكس، بسبب معاناتها من تبعات مهلكات تنخر فى عظامها وجسدها النحيل المحتاج إلى مقويات تزيد مناعته وصلابته وليس إضعافها.

وقد تكفل الجدل الذى أثير، حول عودة مجلس الشعب المنحل بإظهار معالمها وقسمات تلك المهلكات القبيحة، وكونها سيفًا مسلطًا على رقبة مستقبل بلد يكابد لحماية زهرة فجره الجميل من دهسها تحت أقدام وحوش الظلام، الذين تسوؤهم رؤية بلادهم تغادر شرنقة نظام مبارك الموحشة.

يتصدر هذه المهلكات رغبة كل سلطة من السلطات الثلاث- التنفيذية والتشريعية والقضائية- فى التسلط على الأخرى، وأن يكون لها القول الفصل بدون نقاش، فالقضاء يأبى المساس به من قريب أو بعيد، وهددت هيئاته بإعلان العصيان، إذا لم يعتذر الرئيس محمد مرسى، له وللشعب. فى حين أراد مرسى ممثل السلطة التنفيذية أن يكون صاحب اليد العليا بجمع صلاحياته المنقوصة، وسحب البساط من تحت قدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المحتكر حتى ساعتنا سلطة التشريع، ويريد البقاء فى صدارة المشهد بدون منازع ولا مناوئ.

ووقت الجد نتباكى جميعا على حال مصر المائل ومصيبتها فى أبنائها الذين يرفضون النزول من أبراجهم العالية، والتخلى عن عنادهم وتصلبهم ورغبتهم فى سير الأمور حسبما يشتهون ويخططون. يأخذنا ذلك لثانى المهلكات ممثلة فى تجنب الاعتراف بالخطأ مهما كان جسيما، فنحن لم نفهم بعد ما الدافع وراء قرار مرسى بالقفز فوق حكم قضائى تم بموجبه حل البرلمان، ولم يصدر عنه أو عن باقى أطراف الأزمة جملة واحدة تفيد بارتكابها أخطاء أدخلتنا مكرهين فى بحر الظلمات.

ولا نعرف حتى الآن من الذى أقنع الرئيس بفكرة إعادة البرلمان من بين مستشاريه، وما إذا اعترض بعضهم عليه؟ فما رأيناه يذكرنا بأيام مبارك، فالمواطن قابع فى منطقة الظل لا يعرف لماذا اتخذ القرار، ومن الذى نصح به، فهى أسرار لا يجوز الاطلاع عليها مع أن القاعدة المتبعة فى غالبية البلدان الديمقراطية، هى الكشف عن أصحاب المشورة ومن المؤيد ومن المعارض، ونرجو ألا تستمر حالة التعتيم طويلا فى العهد الجديد.

يرتبط بما سبق ظاهرة الأصوات العالية الزاعقة على طول الخط، والموظفة لإرهاب وإرباك الخصوم والمنافسين، فمن النادر العثور على صوت عاقل هادئ وسط الصخب والغوغائية المسيطرة على الساحة السياسية والاجتماعية، فكل من هب ودب ينزل للشارع بالحق والباطل صائحاً مستغيثا، حتى لو كان سبب نزوله خناقة فى المنزل مع المدام، وبقدرة قادر اختفت فضيلة الصبر، لأن المصرى يصر على تحقيق مراده فى التو واللحظة.

الآفة شملت أناساً كنا نظن أن مناصبهم الرفيعة سوف تعصمهم من الوقوع فى خطأ التدنى لاستخدام ألفاظ سوقية تتردد فى خناقات الشوارع عند تحدثهم لوسائل الإعلام.

آخر المهلكات انعدام الإخلاص للوطن المجبر على تلقى ضرباتنا المتوالية، بسبب جشعنا وأنانيتنا المفرطة، واجتهادنا فى تقطيع أوصال البلاد وتعاملنا معها على أساس أنها غنيمة توزع بين المواطنين الذين استباحوا كل شىء بدون وازع ولا رادع من دين أو ضمير، أن خلاصنا من هذه المهلكات متوقف على شفائنا من سلبياتنا السالفة، فهل نحن جاهزون؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة