حلمى النمنم

مولانا

الأحد، 15 يوليو 2012 01:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين الخيال والجنون شعرة.. ولكن كلا منهما يفارق المعقول ويتجاوز الواقع، لكن الواقع المصرى فاق الخيال بمراحل ودخل حدود اللامعقول منذ عقود، وهذا ما يلتقطه ويكثفه إبراهيم عيسى فى روايته الأخيرة «مولانا».. يدخل إبراهيم منطقة لم يسبقه إليها -فى حدود معرفتى- روائى سابق، وهى عالم الفضائيات، أقصد القنوات الفضائية، من خلال «مولانا» الشيخ حاتم الشناوى ومذيعه الأثير أنور، ومن ثم عالم الإنتاج والتمويل والاعلانات، والأهم من ذلك الحضور الكثيف والضاغط لرجال مباحث أمن الدولة الذين يحركون كل أطراف اللعبة، من التمويل والإنتاج إلى المذيع، الذى يقدم البرنامج والموضوعات التى تناقش.

من خلال الشيخ حاتم يقدم الروائى كل ما لديه فى السياسة والمجتمع والدين، أقصد الدعاة الجدد ومشايخ الفضائيات، المرح والمودرن منهم والسلفى أيضا، من يرتدى البدلة الإيطالى أو الجلباب السعودى، وحتى العمامة والقفطان، كلهم بلا مؤاخذة مروا على جهاز الأمن، والجهاز طاغ، لا يقبل بأصدقاء ولا يرضى بالمتعاونين فقط، إنما يؤمن بضرورة «كسر عين» من يتعامل معهم، إذا كان شيخا جليلا، وداعية شعبيا فلابد له من «ذلة».. والذلة هنا تكون جنسية، امرأة أو فتاة لعوب توضع فى طريقه، ترميه بسؤال محرج فى حلقة، ثم تقتحمه.

حول الشيخ حاتم يلتقى المعجبون ورجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب والأهم من ذلك كله أن الرواية تضع باقتدار فى طريق الشيخ أو تضعه هو مع نجل الرئيس، ومن ثم نكون فى خصم قضية التوريث، ونتعرف أكثر على ملامح شخصية النجل.. صلفه وعدوانيته البالغة.. غروره ونهمه للسلطة، وأيضا ضعفه وعجزه الشديد، من خلال النجل يمد الروائى أنفه وخياله إلى بيت الرئيس وما يدور فيه من تناقضات وخيبات.

أدرك يقينا أن فن الرواية فن خصب ومرن، يمنح الكاتب فرصة ذهبية أن يقول كل ما لديه، وما لدى الصحفى كثير، خاصة إذا كان دؤوبا وموهوبا، ومهما كان لدى الصحف من حرية فلن يتمكن أن يقول كل ما لديه، وأدعى أن إبراهيم عيسى منح نفسه كصحفى حرية واسعة لم يمنحه أحد إياها، هو انتزعها لنفسه ودفع الثمن راضيا، ورغم ذلك فلا أتصور أنه قال فى الصحافة كل ما لديه، وهكذا اختلط ما يعرفه بالخيال فكانت هذه الرواية الممتعة والمرهقة لقارئها، حيث لا تترك الرواية قارئها يهدأ أو يهنأ باستقرار الأحداث على الصفحات، إذ تتوالى المفاجآت المخيفة والمرعبة، ليس فقط من حجم الهول ولكن من أنك ترى أن ذلك حدث أو أن شيئا منه حدث، وأن الخيال الروائى كان لملء فراغات الأحداث واتساقها معًا.

تقف بنا الرواية عند تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، نهاية سنة 2010 وما ترتب عليه من غضب قبطى، ودور أمن الدولة فى حشد دعاتها لتهدئة غضب الأقباط.

حين أصدر إبراهيم عيسى روايته «مقتل الرجل الكبير» عاتبته فقد جعل الرجل الكبير يقتل داخل القصر الجمهورى وعمره 82 عامًا، وكان عمر الرئيس مبارك وقتها 74 عاما، قلت له هل تريدنا أن نحتمل منه ثمانى سنوات أخرى، لكن هذا ما حدث فعلا، فقد أزيح الرجل بعد أن أتم 82 عامًا، واليوم فإنه يفجر الكثير عن السنوات الأخيرة من حكم مبارك.. مبارك الذى لم يكتب عنه إلى اليوم كتابة متعمقة لما جرى لمصر وللمصريين على يديه، وأظن أن رواية «مولانا» تقدم لنا الصورة كاملة، ذلك أن هناك مناطق لم يقترب منها أحد، فلا معلومات موثقة ولا تحقيقات جادة ولا بحث حقيقى ودؤوب عما جرى ووقع خلف الأبواب والكواليس.

«مولانا» رواية طويلة، أكثر من 550 صفحة، لكنها تأخذ القارئ وتلزمه أن يقرأها إلى النهاية «نفس واحد» إن أمكن، وهى رواية تعيد إلينا زمن الصحفى الروائى.. فتحى غانم.. إحسان عبدالقدوس.. مصطفى محمود.. وغيرهم.

ويرى بعض النقاد فى الغرب -الآن- أن الرواية هى فى النهاية تحقيق صحفى طويل.
«مولانا» الرواية عمل بديع، أما مولانا الذى نعرفه ونراه على الفضائيات فليس كذلك.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة